مذكرات أسـرى حرب عراقي
مذكرات عمار أكرم مصطفى
قضى 13 سنة ، أسير حرب في ايران
وقوعي في الأســر - الجزء الثاني
السلام عليكم ورحمة الله
وعدت القراء الكرام أن للحديث بقية عن محنة الأسر
واعلم أخي القارئ الكريم انه ما تقراه عن معاناتي ليست هي المعانات القصوى ولكني أقول مارأيت بعيني وسمعت بأذني
(( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً ))
فبعد نقلنا إلى الضفة الثانية من شط العرب وضعونا في مكان حجز هو بالحقيقة مصنع لعمل براغي اسمه السمنتة في الأهواز وكنا نحن مجموعة صغيرة من مدينة الموصل اغلبنا ضباط وعددنا تقريبا سبعة وعشرون أسير حرب في عام1986 م. والعجيب أن المكان لم يكن مخصصا للأسرى أو مهيأ لهذه الأعداد الكبيرة، واصلا هو مصنع .. ، فليس فيه دورة للمياه ولا أسِرَّة ولا ما نتدفأ به في ذلك
البرد القارص ، وليس لدينا إلا ما على أجسادنا من ملابس عسكرية. وكان العدد على ما اعتقد أكثر من ثلاثة آلاف أسير بمكان طوله مائة متر وعرضه خمسون مترا وارتفاع سقفه من الوسط تقريبا عشرة أمتار ، لأنه كان على شكل جملون من الحديد. وكانوا يعطوننا كل يوم وجبتَيْ طعام ..، ولم يكن لدينا أي وعاء أو إناء أو أي شيء لنضع الطعام به ونتناوله. وعندما كانوا يأتون بالقدور الكبيرة يبدأ الهجوم على الطعام...، فترى احدهم قد سقط في وسط وعاء المرق واحترق والآخر وسط وعاء الرز والآخر ينادي صاحبه لعله يحصل على لقمة تسد رمق جوعه ... ، وبقينا على هذه الحالة ثلاثة أيام بلياليها
وبطوننا غرثى من الم الجوع فاتفقنا على اننا لابد أن نحصل على الطعام في اليوم الرابع بأية وسيلة كانت. وفي اليوم الرابع صباحا وصل الخبز بسيارة تسمى بيكانو من نوع بيكب صغير محملة بالخبز ولكن لم يكن هنالك أي تنظيم لاستلام الطعام ، فقفزت أَنا وبشار صالح وعماد الدين احمد - و نحن من افراد مجموعة السبعة والعشرين- ورفعنا عماد فوق سيارة الخبز... ، فأكلنا ذلك اليوم خبزا قليلا . وفي اليوم نفسه قام الإيرانيون بتوزيع أكياس نايلون - ولم نكن نعلم لأي شيء سنستخدمها ! ، و تبين عند الظهيرة ان هذه الاكياس او الحاويات قد خصصت لوضع الطعام فيها لتناوله كالبهائم ... ، والمشكلة ان بعض الأسرى لم يحتفظ بهذا الكيس النايلون ظنَاً منهم أنهم سيقومون بتوزيع الأكياس عند كل وجبة - ولكن هيهات فعندما أتونا بالوجبة الثانية اضطر الكثير من الأسرى وضع طعامهم بين أيديهم لعدم توفر أي شيء لوضع الطعام ، ومنهم من كان يضع طعامه على الارض ! .. والى الله المشتكى. وبقينا على هذه الحالة ما يقارب الشهر أو يزيد. فأصبحت أواني طعامنا أكياس نايلون ولم يكن لدينا أي صابون أو شامبو لغسل الكيس قبل ستعماله مرة أخرى. فكنا نغسله بالماء فقط .
وفي تلك الفترة كان شخص يدعى أبو علي مشاري يأتينا يوميا ومعه مجموعة مسلحة يدخلون إلى الأسرى ، وطبعا بعلم الجهات الإيرانية ليبحث عن ثلاثة أشخاص كان يدعي أنهم تابعين للمخابرات العراقية فيقوم بمعاقبة الجميع و مع سيل من الكلمات البذيئة التي لاتنطبق إلا عليه فلم يرد عليه احد وكان يقوم باختيار أحد الأسرى الطاعنين بالسن ويقوم بتعذيبه أمام جميع الأسرى ويقول إن كان أزلام صدام لديهم ذرة شرف فليعترفوا من هم لينقذوا هذا المسكين. وتكررت هذه المسألة تقريبا سبعة أيام ، يأتينا فيها أبو علي مشاري كل يوم باحثا عن العناصر الثلاثة. وكان احدهم من الموصل و من المجموعة السبعة والعشرين .. ، واتحفظ عن ذكر اسمه حفاظا عليه. قال لي أنا لا أتحمل عذاب الناس بسببنا أنا احد الأشخاص الثلاثة الذين يبحثون عنهم ، فقلت له يا أخي أنا لم اسمع منك شيئا ولا أنصحك بان تعترف لهؤلاء وقلت له بعد يوم يومين سيملون من البحث ويتركون الأمر. قال لا .. لا استطيع، فقلت له ان كنت مصرا فلابد ان تتفق مع صاحبيك لانك إن اعترفت لوحدك بدون الاتفاق معهم فستكون بنظرهم خائنا. وفعلاً جاء المجرم وجلاوزته في اليوم التالي وبدأ بالبحث عن رجل كبير طاعن بالسن ليبدأ بتعذيبه، وكان الصمت قد خيم عليناجميعا.. صمت رهيب.. ونحن نراقب ما يحدث. اختارَ من بيننا رجلا طاعنا في السن ليبدا بتعذيبه ككل يوم .. ، وهنا قام الرجال الثلاثة وقالوا له دع الرجل الكبير.. نحن من تبحث عنهم. فقاموا بضربهم وركلهم وإهانتهم بشتى أنواع الاهانات وأخذوهم إلى جهة مجهولة
وللحديث بقية إن شاء الله
عمار أكرم .... الموصل-العراق
23-10-2012
*************************
لأبداء آرائكم او التعقيب على الموضوع ، يرجى زيارة صفحة تعقيبات الزوار
مذكرات عمار أكرم مصطفى
قضى 13 سنة ، أسير حرب في ايران
وقوعي في الأســر - الجزء الثاني
السلام عليكم ورحمة الله
وعدت القراء الكرام أن للحديث بقية عن محنة الأسر
واعلم أخي القارئ الكريم انه ما تقراه عن معاناتي ليست هي المعانات القصوى ولكني أقول مارأيت بعيني وسمعت بأذني
(( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلاً ))
فبعد نقلنا إلى الضفة الثانية من شط العرب وضعونا في مكان حجز هو بالحقيقة مصنع لعمل براغي اسمه السمنتة في الأهواز وكنا نحن مجموعة صغيرة من مدينة الموصل اغلبنا ضباط وعددنا تقريبا سبعة وعشرون أسير حرب في عام1986 م. والعجيب أن المكان لم يكن مخصصا للأسرى أو مهيأ لهذه الأعداد الكبيرة، واصلا هو مصنع .. ، فليس فيه دورة للمياه ولا أسِرَّة ولا ما نتدفأ به في ذلك
البرد القارص ، وليس لدينا إلا ما على أجسادنا من ملابس عسكرية. وكان العدد على ما اعتقد أكثر من ثلاثة آلاف أسير بمكان طوله مائة متر وعرضه خمسون مترا وارتفاع سقفه من الوسط تقريبا عشرة أمتار ، لأنه كان على شكل جملون من الحديد. وكانوا يعطوننا كل يوم وجبتَيْ طعام ..، ولم يكن لدينا أي وعاء أو إناء أو أي شيء لنضع الطعام به ونتناوله. وعندما كانوا يأتون بالقدور الكبيرة يبدأ الهجوم على الطعام...، فترى احدهم قد سقط في وسط وعاء المرق واحترق والآخر وسط وعاء الرز والآخر ينادي صاحبه لعله يحصل على لقمة تسد رمق جوعه ... ، وبقينا على هذه الحالة ثلاثة أيام بلياليها
وبطوننا غرثى من الم الجوع فاتفقنا على اننا لابد أن نحصل على الطعام في اليوم الرابع بأية وسيلة كانت. وفي اليوم الرابع صباحا وصل الخبز بسيارة تسمى بيكانو من نوع بيكب صغير محملة بالخبز ولكن لم يكن هنالك أي تنظيم لاستلام الطعام ، فقفزت أَنا وبشار صالح وعماد الدين احمد - و نحن من افراد مجموعة السبعة والعشرين- ورفعنا عماد فوق سيارة الخبز... ، فأكلنا ذلك اليوم خبزا قليلا . وفي اليوم نفسه قام الإيرانيون بتوزيع أكياس نايلون - ولم نكن نعلم لأي شيء سنستخدمها ! ، و تبين عند الظهيرة ان هذه الاكياس او الحاويات قد خصصت لوضع الطعام فيها لتناوله كالبهائم ... ، والمشكلة ان بعض الأسرى لم يحتفظ بهذا الكيس النايلون ظنَاً منهم أنهم سيقومون بتوزيع الأكياس عند كل وجبة - ولكن هيهات فعندما أتونا بالوجبة الثانية اضطر الكثير من الأسرى وضع طعامهم بين أيديهم لعدم توفر أي شيء لوضع الطعام ، ومنهم من كان يضع طعامه على الارض ! .. والى الله المشتكى. وبقينا على هذه الحالة ما يقارب الشهر أو يزيد. فأصبحت أواني طعامنا أكياس نايلون ولم يكن لدينا أي صابون أو شامبو لغسل الكيس قبل ستعماله مرة أخرى. فكنا نغسله بالماء فقط .
وفي تلك الفترة كان شخص يدعى أبو علي مشاري يأتينا يوميا ومعه مجموعة مسلحة يدخلون إلى الأسرى ، وطبعا بعلم الجهات الإيرانية ليبحث عن ثلاثة أشخاص كان يدعي أنهم تابعين للمخابرات العراقية فيقوم بمعاقبة الجميع و مع سيل من الكلمات البذيئة التي لاتنطبق إلا عليه فلم يرد عليه احد وكان يقوم باختيار أحد الأسرى الطاعنين بالسن ويقوم بتعذيبه أمام جميع الأسرى ويقول إن كان أزلام صدام لديهم ذرة شرف فليعترفوا من هم لينقذوا هذا المسكين. وتكررت هذه المسألة تقريبا سبعة أيام ، يأتينا فيها أبو علي مشاري كل يوم باحثا عن العناصر الثلاثة. وكان احدهم من الموصل و من المجموعة السبعة والعشرين .. ، واتحفظ عن ذكر اسمه حفاظا عليه. قال لي أنا لا أتحمل عذاب الناس بسببنا أنا احد الأشخاص الثلاثة الذين يبحثون عنهم ، فقلت له يا أخي أنا لم اسمع منك شيئا ولا أنصحك بان تعترف لهؤلاء وقلت له بعد يوم يومين سيملون من البحث ويتركون الأمر. قال لا .. لا استطيع، فقلت له ان كنت مصرا فلابد ان تتفق مع صاحبيك لانك إن اعترفت لوحدك بدون الاتفاق معهم فستكون بنظرهم خائنا. وفعلاً جاء المجرم وجلاوزته في اليوم التالي وبدأ بالبحث عن رجل كبير طاعن بالسن ليبدأ بتعذيبه، وكان الصمت قد خيم عليناجميعا.. صمت رهيب.. ونحن نراقب ما يحدث. اختارَ من بيننا رجلا طاعنا في السن ليبدا بتعذيبه ككل يوم .. ، وهنا قام الرجال الثلاثة وقالوا له دع الرجل الكبير.. نحن من تبحث عنهم. فقاموا بضربهم وركلهم وإهانتهم بشتى أنواع الاهانات وأخذوهم إلى جهة مجهولة
وللحديث بقية إن شاء الله
عمار أكرم .... الموصل-العراق
23-10-2012
*************************
لأبداء آرائكم او التعقيب على الموضوع ، يرجى زيارة صفحة تعقيبات الزوار