رحلتي في بلاد العمائم
مذكراتي في الاسر 1982-1990 الحلقة الحادية عشر
طارق الاعسم
بقلوب يعتصرها الالم اقاموا سرادق عزاءه.... كان المقريء يحشرج صوته بتلاوة سورة يوسف عن محنة نبي راودته زليخة الجميلة عن نفسه لدقائق معدودات. خارج السرادق كان (العزيز) يراودهم عن انفسهم منذ سنين!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
(من مجموعتي تحت الطبع: مكاتيب سقطت عمدا من ساعي البريد)
اسرى عرب!!
ضجة صباحيّة على غير العادة في هذا المعسكر الهاديء الخالي الا من نفر معدود من الاسرى , بل وغير المحاط بعد بالاسوار والاسلاك الشائكة .
باصات ثلاث تدخل باحة المعسكر ووجوهنا تلتصق بالشبابيك المطلّة على الباحة الارضية المكشوفة للمعسكر لترى من القادمون ياترى؟ .
اسماعيل لولح حمادي قلق ومصاب بخيبة امل فالامر لايبدو كمفرزة صغيرة تنقله باجلال الى حيث يودعه وزير الخارجية الايراني كبديل لوزير نفطهم , انهم اسرى جدد ينزلون بالهرولة من الباصات وسط حراسة مشددة وشتائم متلاحقة , كنا ندقق في الوجوه التي لم يبد عليها حداثة الاسر كان الجميع ببدلات مهلهلة موحدة لونها زيتوني ومناشفهم حول رقابهم ولحاهم طويلة كلحانا , ولكن ماشد انتباهنا انهم حين صفّوهم وبدأوا في المناداة باسمائهم ,كانت الاسماء غريبة على اسماعنا .. من قبيل (ذيب علي خشّان ,زياد رحال,حسين قيس,عمر الشبلي,ابو عيون ,ابو حلئه(حلقة)....الخ) . لم تكن الاسماء مألوفة لنا كعراقيين ,كان عددهم قرابة الستين اسيراً .
دبّت الحركة في السلالم المؤدية للطابق الذي يضمنا والذي سمي لاحقاً (طبقة دو)خطوات مسرعة وهرولة بساطيل ,اغلق باب الغرفة علينا وبدأنا نسمع اصوات الاسرى وهم يحشرون في الغرفة المجاورة لنا .
كانت الدردمة بلغة عربية بلهجات غير عراقية وكان الغالب عليها اللهجة اللبنانية .... انهم الاسرى العرب !!!.
منعنا من الذهاب الى الحمّامات لساعتين تقريباً قبل ان تهدأ الضجة وسمعنا اصوات اقفال الابواب وهي توصد وفجاة فتحت الابواب لنا والسماح بالذهاب الى الحمّامات.
كانت عيوننا مشدودة على باب الغرفة المجاورة المغلق لم يكن ممكناً لنا ان نعرف مالذي يدور ومن اين جاء هؤلاء ,ولكن الامر لم يطل سريعاً فما ان رجعنا الى الغرفة حتى جيء بعشرين من هؤلاء الى غرفتنا ليكونوا نزلاء معنا بعد ان ضاقت بهم الغرفة المجاورة .
دخلوا علينا باجسامهم حاملين بطاطينهم , كانت اجساد البعض منهم مفتولة ومليئة بالوشوم بادرونا مرحبا شباب فجاءهم صوت الحارس صارخاً طالباً الصمت. امرنا برصف بطانياتنا لفسح المجال للامّة العربية بأخذ مكانها وسطنا !!!.
جيء بالغداء سريعاً... ، كان كل منا ملتزماً بفراشه لايحاول المبادرة بالاختلاط بهم , حتى خرج الحارس فقاموا وقمنا وتبادلنا السلام والتحيّة ,كانوا حذرين منا .. ، فهمنا ان اعدادهم بالمئات وانهم الوجبة الاولى من الاسرى العرب وانهم اسروا في دزفول قرب الرادار ضمن قاطع العرب للجيش الشعبي . مالذي جاء بهم الى الجيش الشعبي والعراق والجبهة ؟؟؟؟؟
مر يومان من التعارف مع الاسرى العرب وسمح الايرانيون لنا بالاختلاط مع نزلاء الغرفة الثانية من الاسرى العرب, كان معظم الموجودين من اللبنانيين ومعهم خليط من السودانيين والمصريين والفلسطينيين وصحفي خليجي اسمه رائد اظن انه من البحرين او قطر .
عرفنا بعض الامور التي خفيت علينا خلال هذين اليومين برغم التكتم الشديد فيما بين العرب بأن لايثرثروا ,كان واضحاً ان زعيمهم هو الملقب بالدكتور وهو عمر الشبلي وهو رجل مربوع القامة كث الشعر اربعيني , كان شاعراً معروفاً في لبنان وقياديّاً في حزب البعث اللبناني وكان خلوقاً وله هيبة وسطوة على الاسرى العرب ولم يكونوا ليخالفوا له امرا, لاحقاً عاد الى لبنان بعد ان قضى عقدين من الزمان في الاسر والفَّ كتاباً ترجم ديوان حافظ الشيرازي شعراً , والغريب بالامر ان اهداء الكتاب كان الى سجّانه (مصطفى خزاد) و(خوشهنك) مبرراً ذلك بان (الحزن في النفوس الكبيرة أهم معقم لها من أدرانها)!!!! ، وهو امر صحيح وخطير للغاية.
طارق الأعســم
----------------------------------------------------------
يمكنكم مراسلة السيد طارق الاعسم على الايميل ادناه
[email protected]
نشرت على موقع سنين الضياع في 18-5-2013
-------------------------------------------------------
لأرسال التعقيبات والملاحظات أو لقراءتها ، يرجى زيارة صفحة تعقيبات الزوار
To Add a comment, visit our Contact Page for more options
------------------------------------------------------
عودة الى صفحة مذكرات الأســرى