من مذكرات وسـام الحكيم
الذي قضى اكثر من ثمان سنوات أسير حرب في ايران
سنين في سطور ... الحلقـة 3
القطار
بدات قافلة الباصات بالتحرك تباعا خارج المعمل. راينا حشود الناس بانتظارنا على جانبي الشارع ولم يدخروا طاقتهم في اطلاق هتافات ناريه بالعربي والفارسي ، منهم من يسب ويلعن ومنهم من يسلم علينا بخفيه ونظرة تعاطف ونساء تبكي وقسم يصرخن ووجوه غاضبه ومنها مستطلعه ومنهم من يضحك وهناك المتأسي, بكل بساطه هوسه , نحن مثلهم نبادلهم النظرة الاولى ولكننا نكتم ردود افعالنا ,علق احدنا بصوت خفيض
جنهم مخابيل , فرد آخر عمي حقهم, خبلهم ... نعل والديهم بالصواريخ
جاء في مخيلتي حينها مشهد الناس في حديقة الحيوان يتحلقون حول الاقفاص وبتصرفات شتى وترى نظرة المخلوق : هذوله شبيهم ...مخلوقات تتبادل نظرات وكل يعتقد انه هو الافضل ...
وصلنا الى محطة القطار وكان طوق العسكر حول قافلة الباصات كبيرا والحراسه مشدده والبنادق بكل الاتجاهات ولم يكن مسموحا بمغادرة المقعد الا بصحبة حرس وحسب تسلسل المقاعد
شبيهم هذول قابل راح نطير ؟ .. تعليق اثار عصبية احد الحراس المتوترين داخل الباص فصرخ
صحبت نكن... يعني لاتحجي مع نظرات الشرر ورائحته الكريهة فقد كان بكل قيافته واضحة الاتساخ التي جاء بها مع الاسرى من الجبهات فعلق اخر الذي لم يستطع السكوت رغم غضب الحرس وحرج الوقت: ريحته تكتل .... ، تعليق صحيح بتوقيت لايمكن الاختلاف عليه، فاستدار
الحرس ليثبت سلطته وامسك بكتف المعلق :
(نكفتم صحبت نكن؟) اني مو كلت لحد يحجي ؟
بلي آغه ,اني بس...فنهره الحرس وسحبه : بُلاندشو نسمعها بُلنشو وتعني انهض ,
ودفعه خارج الباص(بُدو)
لا ادري سر عدم تمكن جماعتنا من كتمان تعليقاتهم, فعند ذهاب الحرس الى الباب اكمل آخر
هسه الا تحجي مو كال لا تحجون, وجاءه تحذير: سسسسس تره سمعك
انا لم انظر تجاه قاسم لانه سيموت ضحكا والنتيجه لن تكون مضحكه
عاد الحرس محاولا تمالك اعصابه , رطن قليلا بنصائح لم نفهم منها سوى اسلوبه ,
يعني انت اسير اسمع كلام ...
لاتجيب الاهانه لنفسك وجماعتك .. , اثناء استرساله جاء صوت العريف من الباب
جه خبر؟, جي كار ميكوني؟ ...هاي شكو شدتسوي؟
مما زاد الطين بله , يعني تسببنا برزاله للجندي فاحس الجميع بضرورة مغادرة الباص بسرعة اكبر وفعلا كانت مهمته بعد ذاك اسهل فلم يعد بحاجة الا ان يشير من الباب فننهض اليه بالتناوب ويسلمنا الى حشد عندما رايته تساءلت كيف سأمر الى باب القطار و هذا الجمع يملأ الفسحه ؟
فمد اثنان قرب الباب يديهما وامسكاني وحشروني وسط الحراس .. و استطيع سماعهم يعدون الاسرى واحد واحدا .. ، اعتقد اني كنت شيش ده يعني 16و وجدت نفسي في ممر القطار مختنقا بحشد من امر ومامور (بس الكل لعبانه نفسهم) ويتم توجيهنا الى غرف ، وعند حصول اي تباطؤ يمسكني الحرس القريب مني واسمع انفاسه وهو يعيد مع نفسه شيش ...ده, مع تطلعه لانفتاح المرور ، وانجلت الغبرة ودخلت غرفة كان من سبقونا مختلفين حول من سيحتل الطابق العلوي .. واحدهم كان فرحا جدا بصعوده قبل غيره وتمدد هناك وبلحظه جلس يتطلع علينا وعددنا يزداد في الغرفة الى ان دخل حرس واشار الى الطابقين العلويين:
إينجاه دوته.. وكانت اوامر واضحه تعني اثنين للطابق العلوي واوضح منها خيبة امل المستلقي هناك ولم افهم ماذا دردم الحرس مشيرا اليه ,العدد الزائد افسد على هذا السائح سفرته هكذا فكرت واذا باحدهم وبارتياح واضح يسال موضحا لنا نحن الجاهلين بالحقيقه الغامضه التي اوضحها لنا باستفساره : احنه بأيران هسه؟
سؤال مع ابتسامة مع من يعرف الجواب بذكاءه المتميز فرد اخر ببساطه :
إي! فرد المتسائل بسؤال اصعب: يعني هسه احنه بالخارج؟ ولم افهم هل كان جوابا ام فرحة السائح وهو يعبر حدود بلده ويتساءل ، ولكن انفجار قاسم بالضحك افسد عليه متعته وفتح عليه باب التعليقات الساخرة ولم ينتظر اهانة اكثر ممن حوله فاسرع خارج الغرفه مع انشغال الحراس بالتهيؤ لاقفال الابواب والمغادرة ويبدو انه دلف لغرفةجوارنا وهنا صرخ حرس كجا ميري تَو
يعني انت وين رايح؟ وببساطة السائح : تبديل آغه بس تبديل.. في غرفتنا ..
علق احدهم :على اساس راح يفتهمك ويتفاهم .. ونهره الحرس ( برو داخل ) ونسمع لغط هو
واخر هناك ووسط عدم فهم الحرس لما يجري جلب احدهم بدلا عن صاحبنا السائح..
بدا على الحراس كلهم - بسلاح او بغيره - شئ من الارتياح حيث ان رحلتهم معنا الى طهران ستبعدهم عن الجبهه و المعركه التي اتضحت نهاياتها.. ، فمع المغادرة مع الغروب وحسب قول الحراس سنصل غدا ظهرا ,وفي اعتقادي انهم وجدو فينا جنودا منهكين لا خطر فيهم , فراحو يتحاورون مع قسم من الاسرى ممن اعتقد بامكانية تكوين صداقة معهم وسط تحذيرات البعض
"اخوان ديرو بالكم لاتروحون زايد وياهم" وسط عدم اكتراث "اللوتيه",
خارج القطار ولأن الحراس صعدو معنا اصبحت الارصفه شبه خاليه من العسكر فانتهز قسم من الاهالي الفرصه وتحلقوا حول الشبابيك لمشاهدة انتصارهم معبأً في عربات اضافة الى جرحاهم و جثث قتلاهم في عربات اخرى ، وفجاة هجم على شباكنا احد الغاضبين وكانه يوفي نذرا بمروره على كل الشبابيك وبارك الجالسين بما لديه من سب ولعن بعصبيه ولو اننا لم نفهم شيئا الا ان احد الحراس في الممرطلب اليه من خلف الزجاج المتين ان يهدا ولكن الاخر بدا يصرخ ودموعه ظاهره وهو يطلب من الحرس ان يذبحنا كلنا .. ، وهذا يرده بلهجة ود " بسه ببا , بسه برو دكه"
يعني: بس كافي روح عاد واتضح ان حرسنا تالم لدموعه وشكواه التي لم نفهمها كما لم نفهم شتائمه .. ، وكالعاده وفي هذه اللحظات الصعبه يجب ان نسمع تعليق مناسب
هذا يمكن ميتله واحد؟ وجاء صوت الحرس مباشرةً هادئا ملؤه التهديد مع نظرة ناريه
" صحبت نكن" يعني لا تحجي ، ولكنه اراد ان يبقى وديا فقد كان يضحك مع قسم
من الاسرى للتو.. وكدت اسمع صرير الحرج في راسي , وكان بودي ان اصفع احدا ..
لا فرق عندي .. حرس ام اسير..
بعد قليل عاد الجميع الى الحركه والضجيج .. الا انا وقاسم فكنا ننظر خارج النافذة الى التلال البعيدة التي كنا خلفها الاسبوع الماضي .. , فقلت لقاسم : تتذكر قبل الهجوم بكم يوم كنا مجتمعين نلعب شطرنج هناك عالتلال ..؟ (قرب الرادار) لمن يعرف قاطع الشوش فاجاب مستفهما: اي؟
تتذكر نايب ضابط سالم جان يلعب ويه نايب ضابط هاشم واني وانت ونواب ضباط كاظم وسعدون وابو خزنه نتفرج .. فابتسم باسى : إي ..
تتذكر وكتها كان قبل الغروب لمن لاحظنا كلنا على غفله شي يلمع بالوادي قرب المدينه (الشوش) وكانت شبابيك القطار تعكس اشعة الشمس الحمرة , جان مثل سلسلة لهب...
نايب ضابط سعدون"ابو حارث"وكتها التفت الي مباشرة وبلا سبب
"وسام شكلك راح تصعد بهذا القطار"
وكانت عينه بعيني ..ملاحظته الغريبه ماعجبتني ابدا ...
وكاني تكلمت مع نفسي .. ، لم ياتني رد و بقيت اقلب مع نفسي تلك اللحظات ...
,اعادني من شرودي نقرات على الشباك مع سؤال بلهجه عراقيه :
اخوان احد وياكم من الكوت؟ انتو منين؟
كان شاب يقل عن 18 مبتسم : ماعندي شي انطيكم لو بيدي اطلعكم اردكم لاهلكم
انا وقاسم شكرناه مع اسفنا لعجزه: ليش انت شبيدك ؟ الله كريم
اي الله كريم تخلص انشالله المهم خلصتو من الموت بس ديرو بالكم تره هذوله لئيمين
عدكم تذكار تنطوني ؟
قاسم: متاسف والله .. ونظر الى رجليه وكانه يريد ان يشكو له كونه حافي القدمين ...
اخرجت انا ما تبقى مما املك من نقود (الدرهمين) ، ولكن الشباك المتين كان حاجزا بيننا ..
ولم يتردد قاسم بسحب العتله بقوة ودفعنا الشباك سوية الى الاسفل و وسط دهشته لمخالفتنا الاوامر
تناول التذكار وابتعد قليلا ولاحظ ان الحرس فاجأنا في لحظة اغلاق الشباك والحمد لله انه
(الحرس) لم يفهم واعتقد اننا فقط نحاول غلقه
"بازش نكن ختره" يعني لا تفتحوه خطر..
حمدنا الله ان حماقتنا مرت بسلام
وأنّبتُ قاسم عليها : جان ورطتنا , فرد قاسم : شوفه خطيه شلون فرحان , تسوه مو؟
اي اللي يفرح صبي يزور النبي .. اجبته وانا اشير للشاب بالابتعاد لاني لاحظت ظهور بعض العساكر الذين راحو يدفعون المتجمهرين حول العربات ، بعنف وزجر,
تحرك القطار قليلا بعدما ابعد الجنود الناس من حوله ,وكنا مازلنا نرى
من خلف جدار العسكر,الشاب رافعا يديه ممسكا باطراف اصابعه , الدرهمين....
وسام الحكيم
-----------------------------------------
لأرسال التعقيبات والملاحظات أو لقراءتها ، يرجى زيارة صفحة تعقيبات الزوار
To Add a comment, visit our Contact Page for more options
------------------------------------------
نشرت في 5-5-2013
عودة الى صفحة حديث الاسرى