من مذكرات الاخ حربي موسى حسـين - 2
الحلقة : 6-10
والذي قرر ان يكتب لموقعنا ولاول مرة عن تجربته في الاسر للفترة من 1982 ولغاية عام 1996 ، اي ما يقارب 15 سنة ...
كتب الينا الاخ حربي يقول :
هذه المذكرات ، اكتبها بمرارة ولاول مرة في حياتي لاني اخشى ان اموت ولا يعلم بها احد من ابناء وطني الحبيب ... ، لاسيما اني كبرت وتجاوزت السبعين سنة
وتقبلوا فائق الشكر على حرصكم واهتمامكم بقضية مهمة من تاريخ العراق
والعراقيين بانسانية وموضوعية
-----------------------------------------
من مذكرات الاخ حربي موسى حسـين
السلام عليكم
الحلقة السادسة
6
حضر الى زنزاناتنا الانفرادية امر المعسكر العقيد فرج الله برنية وامر باخراجنا منها الى باحة الساحة الصغيرة .. ليلقي فينا كلمة !!!
وكان في حقيقة الامر يحمل مشروعا تسقيطيا لنا في وحل العمالة والارتباطات المشبوهة في عجلتهم السياسية والعسكرية.....
كنا باعينهم- اننا الصفوة او النخبة- ان سقطنا تحت عنوان توابين وهو اسم مهذب ظاهره حق وجميل وباطنه ليس كذلك لاننا في واقع الامر وحينما نكون احرارا في بيوتنا نتمنى ونتضرع الى الله تعالى ان يقبل توبتنا فكلنا مذنبون ومقصرون .. ولكني كما اسلفت كلمة تواب في القران شئ وفي ساحة السياسة والاسر شئ اخر !!
جلسنا جميعا في الباحة الصغيرة في وسط المعتقل وحضر العقيد برفقة الجلادين السجانين من المراتب والجنود والقى علينا السلام ثم قال بلغة عربية فصيحة: انا اعلم ان هذا المكان الذي انتم فيه لا يليق بكم ولا حتى بالحيوانات .. واريد ان احرركم منه واحسن اوضاعكم وظروفكم الصعبة بشرط ان تكونو توابين !! واريد لهذا المعسكر ان يراكم كذلك ليكونوا مثلكم .. وان اتخذتم هذا الموقف في اعلان توبتكم وقمتم بترديد الشعارات الاسلامية في التعداد الصباحي والمسائي فان الأسرى في المعسكر الذي ينظرون اليكم باعتباركم الصفوة والنخبة سيحذون حذوكم ويعلنون توبتهم ايضا ...
وبعد ان انتهى من الخطاب الذي فيه ليونة الافعى في ملامسها فقط ولكنها تخفي في انيابها السم طلب منا الكلام :
نهض عدد من الاخوة الاسرى فمنهم من شكى امره ومرضه وخطورة قلبه العليل واخر من قال بانه لا يعترض على عرض الامر ولكن يمكن فعل ذلك في المعسكرات المفتوحة التي تجري فيها مثل هذه الشعارات الاسلامية لنكون جزء منها منسجم مع واقعها وسياساتها واتجاهاتها فنضيع بينهم ولانصبح محطة للانظار في معسكر مغلق مثل اراك المخصوص !!!
وبعد ان استيقنت تماما ان امر المعسكر بدا يفهم تماما اننا وصلنا مرحلة الاعياء والتعب وسوف يطمع بصفحة استثمار الفوز في غزوه لنا ولوي سواعدنا وتطويعنا الى المزيد من الطلبات والتنازلات استعنت بالله العظيم على ان احسم هذا الامر الذي سيكلفني حياتي : فاستأذنته بالكلام وقال تفضل فقلت:
سيدي الامر: نحن الان بالتاكيد اسرى بايديكم وكذلك نحن عزل وضعفاء ولسنا سياسيين لاننا تركنا السياسة وحزب البعث في العراق .. ونريد ان نعود اليه دون تغيير قناعاتنا ومعتقداتنا . لنفترض جدلا انك لا سامح الله وقعت اسيرا بايديهم فهل تستجيب الى الضغوط العراقية وتردد
شعارات معادية الى بلدك ورئيسك ؟؟ ... وها نحن نجد انفسنا في نفس الموقف الصعب..، ولهذا يتعذر علينا ان نقوم بذلك .. ، ورايت في ملامح وجهه الاستياء لاني افشلت مشروعه وغلقت الامر تماما باعطاء القوة والمعنوية لاخواني في الثبات والانتباه لمخططاتهم الشريرة وقال لجنوده بغضب واضح اعيدوهم الى الزنزانات وغادر المكان ..
وهنا ارتاح ضميري جدا ولكني لا اخفيكم باني لم اكن اخاف الموت جدا ولكن كان يتملكني الرعب من طريقة القتل وقبل ذلك بايام قتل الجندي الحارس زاجي من الاحواز في عربستان احد الاسرى من اهالي ديالى وكنا نشاهده من الزنزانات الانفرادية ونحسب عدد الضربات
في الجلد وقد تجاوزت 200 جلدة ومات بعدها وانتقلت روحه المعذبة الى السماء
فتركت وصيتي بيد عدد من الاخوة في الزنزانة لايصالها الى زوجتي واطفالي اذا قدر الله لهم العودة سالمين .. ولكن الله عز وجل شاء لي حياة اطول وانقذني من الانتقام وذلك بانشغال الآمر بامر اهم من قضيتي .
واقول لكم ايضا :
ونسال الله لكم ولي السلامة والامن واساله تعالي ان يلين قلوبكم على عباده ويجعلكم تخافونه حينما تكون بايديكم سلطة
لا تظلمن اذا ما كنت مقتدرا فالظلم اخره ياتيك بالندم................. تنام عيناك والمظلوم منتحب وعين الله لم تنم
اتوجه الى الله العظيم واتضرع اليه ان يغفر لكل من آذاني او اساء لي
حربي موسى حسين - 21-3-13
Harbi Mousa Hussein
------------------------------------
السلام عليكم
الحلقة 7
ما الذي كان يفعله الاسرى في معسكر مخصوص وكيف يقضون وقتهم عبر السنين الطوال ؟
اولا ان من تعليمات واوامر ادارة المعسكر ان لا يسمح بالقلم والورقة على الاطلاق .. فماذا كنا نفعل سرا و خفاء لتوفير البديل ؟
كنا ناخذ قطعة من القماش المتهرئ بحجم الورقة ونشبعها بالصابون السميك وبعد ان تنشف نمسحها بالصابون الجاف اي بعيدا عن الماء والرطوبة الى ان تتيبس وتجف تماما .. وهنا نوفر لها اية خشبة او شئ صلب نشذبه ونعدله على هيئة قلم مدبب الراس للكتابة العادية وبعد ان نحفظ المادة المكتوبة عليها من قبل الاساتذة والاخصائيين بالمعسكر نمسحها ايضا بالصابونة الجافة عن طريق الاحتكاك فتصلح
بعدها لكتابة مادة اخرى ... ...
وهناك تصميم اخر لراس او حافة القلم على شكل غير مدبب لغرض الخط العربي فيكون الراس عريض بعض الشئ ليكتب اصحاب الاختصاص بالخط العربي نموذجا للحروف وعلى المتعلمين ان يرسموا تلك الحروف بدقة تخضع للتصحيح والمراجعة من قبل المعلم
المختص . .. والحمد لله تعلم عدد كبير من الاسرى جميع اللغات كالانكليزية والفرنسية والاسبانية والاشورية ...والعربية ايضا لعدد من الاميين ... واذكر منهم الطالب المتميز علي حلبوص الدحام من اهالي الصويرة . كان اميا فتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة اضافة الى انه تعلم الانكليزية واصبح فيها كفؤاً ينافس اصحاب الاختصاص .. ولا اكتمكم سرا أني كنت اساله عن معاني بعض الكلمات رغم اني
استاذه وادرسه هذه اللغة !!!
وهناك اميون كثيرون تعلموا القراءة والكتابة منهم سعيد سلمان حسون من مدينة الثورة وكذلك اذكر من الطلبه الدارسين تركي
شايع وتعلم الفرنسية بطلاقة واللغة الانكليزية ايضا رغم انه كان خريج الدراسة الابتدائية !!
وكان هناك ايضا مدرسون في اختصاصات غير اللغات وانما في مواضيع مختلفة كالتاريخ الذي كان من ابرز المشاركين فيه الاستاذ عبد القادر ايوب احمد العاني والاستاذ محمود كاظم التميمي واستاذ من هيت او حديثة نسيت اسمه الاول للاسف الشديد والاستاذ زهير
الشهد الذي كان متخصصا بالاقتصاد واللغة الروسية واخرين كثيرين لا تسعفني ذاكرتي لاستحضار اسمائهم فكانوا كخلية النحل متعاونين واثمرت جهودهم في اعداد كم هائل من المثقفين
وفاتني ان اشير الى ان عددا من الشعراء درسوا الاسرى بحور الشعر من امثال الاستاذ عدنان عبد الحميد السوز من اهالي الناصرية سكن في بغداد حي البنوك وعلي العبيدي من اهالي المحمودية واخرين لاتحضرني اسماءهم للاسف الشديد..
اذكر ايضا ان عددا من الاخوة الاسرى معي اصيبوا بمرض الجرب وعزلونا في قاعة منفصلة عن الاسرى منهم تكليف كريم وناس
وجبار العنبليسي من كربلاء واخرين لا تحضرني اسماءهم .. يشرف على علاجنا الدكتور قاسم من اهالي الحي العربي ( حي الزعيم سابقا)
وكان مثالا للاخلاق العالية والخدمة الرائعة
الى هنا استودعكم الله برعايته ويحفظكم من كل سوء ونلتقي بحلقة اخرى قريبا ان شاء الله
-
Harbi Mousa Hussein
--------------------------------------------------
من مذكرات حربي موسى حسـين
السلام عليكم و رحمة الله
الحلقة الثامنة
11-4-2013
8
قبل ان اتناول الحلقة الثامنة اود ان الفت انتباه الاخوة الى ان هناك عدد كبير من الاخوة الذين قدموا خدماتهم المتميزة الى الاسرى في الجانب التربوي والتدريسي لم اذكره بسبب النسيان غير المقصود فارجو ان يعذروني ..
ومن هؤلاء الاساتذة الكبار مثلا حازم ناجي الصفار والاستاذ ابو غسان السامرائي وغيره ممن لا تحضرني اسماءهم وكثيرون من الاخوة الاعزاء الذي شاركوا بسرد القصص الجميلة والروايات والشؤون الثقافية المتنوعة من امثال الاستاذ سعدون علي مهدي العزاوي وسعد عبد الجبار العبيدي وصبري زعيتر وعلي العبيدي اسال الله العزيز ان يثيبهم في الدنيا والاخرة .
ومن الطرائف التي تضحك وتبكي اننا كنا نصنع ادوات الشطرنج من الكارتون وكان هناك عدد من الرسامين والمصممين الذين يرسمون لنا هذه الاشكال - لطيف جاسم عويد المحمدي .. وكان يعجبني فيه هدوءه حينما اغلبه اما انا فلا اطيق الخسران ويهزمني احد بهذه اللعبة . اذكر ذات يوم كنت العب مع الاخ الشهم النبيل الشجاع الطيب ابو رفل من اهالي الموصل ومن بيت النجار ، ورآنا الجندي الحارس الايراني نلعب .. ففتح الباب واراد ان يخرجنا منها للجلد ولكن الاخ ابو رفل ادعى بانه كان يلعب مع نفسه ولا علاقة لي بهذه اللعبة ونجحت محاولته واخذ المقسوم من عقوبة الجلد .. وذلك لانه اشفق علي لكبر سني ولم يرتضِ لي ان اتعرض للجلد ..
واذكر حادثة اخرى ضبطني الحارس الايراني باني احتفظ بحَجَرة كبيرة الحجم ( طابوقة) في الزنزانة وطلب مني ان اخرج لغرض نيل العقوبة فتصدى له الاخ الحبيب عماد العاني من اهالي المنصور وادعى ان الحجرة تعود له لياخذ بنفسه العقاب بدلا عني !! هكذا هي المروءة العراقية والشهامة في حماية بعضنا البعض بتقديم التضحيات ..
وكان مسؤول المعسكر من المراتب الايرانية هما نائب عريف قنبر وعريف روحي اما آمر المعسكر فهو العقيد فرج الله برنية !!
ورغم ان الذي كان يسود علاقاتنا الاجتماعية بشكل عام هي الاجواء النقية العراقية الطاهرة ولكن للاسف كان يعتريها بشكل نسبي ما نشاهده اليوم في مجتمعنا المريض بعد الاحتلال البغيض!.. ، رغم ان الجميع يشاركون بقاسم مشترك ثابت واكيد ولا غبار عليه : وهو العراقية والوطنية ...
وبعد عودتنا من الاسر قمنا باتصال صادق وحميم بكل العائدين حتى وان كان في اسرنا شئ من النفور او عدم الانسجام .. لسبب واحد هو اننا في الاسر خضعنا لتجربة قاسية جدا جدا جعلتنا نحب بعضنا بعضنا ان كنا من شمال العراق او جنوبه او غربه ..
ولو شاء القدر (لاسامح الله ) ان نكون في دائرة الضوء واعضاء في البرلمان لما تجد اية طائفية مقيته او محاصصات كما نجدها اليوم عند اشباه الرجال ومعظمهم بالبرلمان.
اسمحوا لي ان اعود للمطبخ لعمل قهوة عراقية مهيلة تنسيني ذكريات الاسر ..
وانتظروا الحلقة القادمة لتسمعوا مني شيئا مذهلا وخطيرا وشجاعا ان شاء الله .. فانا بطبيعتي ان اردت القول فلابد ان لا اضع في بالي ردود الافعال ابدا لاني مطوق بالمسؤلية اما م الله عن كل كلمة اقولها هنا ولا يشفع لي فيها اي قارئ فيكم عما اكتب الا الصدق وحسن النية والامانة التاريخية.
اخوكم حربي موسى حسين
----------------------------------------------------
الحلقة 9
15-4-2013
السلام عليكم : سلام قولا من رب رحيم
وعدتكم باني في هذه الحلقة اكتب لكم شيئا قد يكون مهما وحساسا اكثر مما ذكرته لكم في الصفحات السابقة ... ولكني سوف اتريث في نشرها بهذه الحلقة واجعلها حلقة الخاتمة في هذه السلسلة التي اختزلت فيها 15 سنة بموجز متواضع لا يكاد يفي بما ينبغي له ان يكون ووفاء لاحبائي في الاسر .. فكلما انتهي من حلقة تحضرني ملاحم الاسرى التي انجزوها وقدموها لاخوتهم المحجوزين وراء القضبان سنين وسنين فاشعر باثم كبير وتقصير غير متعمد بحقهم لا ينفعني فيه التماسي للعفو ابدا بل ان الكتيب الذي احتفظ به هو الاخر تنقصه معلومات كثيرة وحوادث كثيرة .. الامر الذي دفعني الى التريث بنشره وتاخيره بعض الوقت لعل اصدقاء الاسر الذين ابعث لهم هذه المذكرات يبعثوا لي التفاصيل الاخرى التي فاتني استذكارها لقدمها... او ان يبعثوها مباشرة الى موقعكم الجليل لنشرها استكمالا
للموضوع وايفاء به ..
هنا وددت الاشارة الى جانب هام وهو ما يتعلق بالتعتيم الاعلامي على المعسكر وعزلته عن العالم اجمع ، فاستطاع عدد من الاسرى التنسيق مع الجنود الايرانيين الحراس علينا واستمالتهم والتنسيق معهم لتوفير اجهزة ترنسسترات ، واقصد بها اجهزة راديو تعمل على الباتري مقابل بعض المال .. وتم لنا ما نريد بنجاح وكانت مشكلتنا انذاك كيف واين نخفي الاجهزة ومتى نستمع الى الاخبار عن العراق ...؟؟!!
فكنا نحتفظ بها في ساحة المعسكر الذي نخرج من زنزاناتنا اليه خلال فترة الاستراحة
واستنشاق الهواء الطلق ... حيث نحفر في الارض حفرة ونغلف الراديو بشكل يمنع وصول الرطوبه اليه .. او نحفظه فى داخل الزنزانة وذلك بان نحفر له في التخت
( اي الخشبة التي ننام عليها ..) نحفر فيها اشبه ما يكون بالقبر لحفظه فلا يعثر
عليه الجنود الايرانيون اثناء التفتيش . ان حمل جهاز راديو هو امر خطير على حياة الاسير وعلى الجندي الحرس الذي اوصله الينا
وخطورته لا تقل عن قنبلة يدوية تفجرها على العدو !!!!
كان صديق الاسر الطيب عبد الزهرة محمد عناد البهادلي يحمل جهاز راديو في زنزانتنا بالمعسكر ومن غرفتنا ما نسمعه من اخبار عن العراق نبثها الى الاسرى ونطمئنهم بما يجري بدون كذب او مبالغة او اضافة او نقصان !!
وكان ايضا الصديق خليل الدبي من الرمادي يملك جهازا لبث الاخبار عن العراق الى المعسكر .. كما ان الاخ ابو زينب حفظه الله يملك جهازا وكان عاقلا ومهذبا وعلى درجة عالية من الاخلاق ويبث بطرقته ما يسمعه من الاخبار الى المعسكر .. وقد خدمنا جدا بصفته ارشد المعسكر .. والارشد مصطلح تعودنا عليه بمعنى مسؤول المعسكر تشبه وظيفته وظيفة مراقب الصف بالمدرسة .
وهنا ايضا اوجه اعتذاري الى من لم يحظرني اسمه لكبر سني وضعف ذاكرتي .. واتركه لاصدقائي بان يكملوا لي المعلومات برسائلهم ان شاء الله .
شئ مهم ان اوضحه لكم عن التفتيش والمداهمات المفاجئة بين فترة واخرى والتي تجري للبحث عن اية ورقة او قلم او راديو او...او... اي شئ ممنوع فان عثر عليه فلابد ان ينال العقاب الصارم بالجلد المبرح والسجن الانفرادي للمخالفين...
احبائي وابناء وطني الحبيب اترككم الان بشكل مؤقت لاني مدمن على القهوة والشاي اريد بهما ان ادخل الدفء الى معدتي بعد ان عجز عن تحقيقها الزمن الغادر فاذاقنا مرارة الاسر
والحرمان وفي احلى مرحلة من اعمارنا فلا دفء ولا حياة ولا طمانينة ... بل
قلق مستمر واضطراب في النفس والاعصاب.. اراكم بخير في حلقة قادمة اشرح لكم
فيها وجبات الاكل والتغذية البائسة واثارها الصحية علينا جميعا وظهور
الامراض بسبب النقص الغذائي وسوء التغذية.
اخوكم حربي موسى حسين
Harbi Mousa Hussein
------------------------------------------------------------------
10 -الحلقة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماذا كان ياكل الاسرى طوال تلكم السنين في معسكر اراك مخصوص؟
لاشك انهم كانوا يعانون من سوء التغذية ونقص حاد في العناصر الغذائية الضرورية والاساسية في بناء الجسم كالفيتامينات والبروتينات والمعادن والكاربوهايدرات والاملاح .. فظهرت اثارها على العظام والاسنان لنقص الكالسيوم اضافة الى تعرض كبار السن الى مرض هشاشة العظام - اوستيوبوروسيز و وامراض اخرى كضعف البصر والاعصاب والجنس وامراض الغدد والجهاز الهضمي والبواسير !! والامراض النفسية والعصبية
ولعل من المؤسف حقا ان المصابين بالبواسير يحالون الى اطباء اسرى من التوابين في مستوصف ديزبان بالحشمتية بطهران.. وهم ليسوا جراحين اواصحاب اختصاص بل هم اطباء باطنية مكلفين باجراءعمليات جراحية للاسرى المصابين !!
واذكر ان الاسير ابو حيدر ( اسم ابيه كاطع) من مدينة الثورة اجريت له هذه العملية بهذا المستوصف ولكنه اصيب بعدها بالانسداد ولا يخرج منه الغائط الا القليل جدا فعاد الى المستوصف وحاول اطباؤنا العراقيون اجراء مساجات التوسيع للمخرج او الشرج فلم يجدي ذلك نفعا مما تسبب في موته فيما بعد (رحمة الله عليه)
ان الاخوة الاطباء العراقيين في مستوصف ديززبان كانوا يؤدون واجبهم المهني بشكل رائع لا يفرقون بين معارض او مستقل او تواب وكان مسؤول المرضى الدكتور عبود ولكن مسؤول المستوصف ايراني برتبة عقيد نسيت اسمه.. واذكر ان احد الاخوة الاطباء التوابين نصحني بعدم الموافقة على اجراء عملية جراحية لاستئصال اكياس مائية تحيط الكبد لخطورتها
ولضعف كفاءة الجراح الايراني بالمستوصف فانه جاء ليتدرب علينا ويكتسب خبرة ..
وكان صادقا وطيبا مع المرضى وطلب الي بان لا اذكر اسمه ..
فماذا افعل و بعد ان وقعت بالموافقة على اجراء العملية ؟؟ ، فكرت بعذر ينقذني من العواقب المؤذية فكذبت قبل يوم من اجراء العملية واسال الله ان يغفر لي فاني كنت خائفا ومضطرا :
قلت للدكتور رايت في الرؤيا ان الامام علي عليه السلام طلب مني التريث في اجراء العملية
.. وتاجيلها !! ، فلم يتفوه بكلمة واحدة لكن ملامحه تشير الى الاستياء وعدم الارتياح ولعله استشف مني اني لم اكن صادقا !! .
اعود الى وجبات الاكل التي كنا نتناولها باختصار : وجبة الفطور هي ملعقة من المربى مع قطعة من الخبز وفي اليوم التالي بيضة واحدة مع قطعة من الخبز وفي اليوم الذي يليه قطعة
جبن صغيرة اكبر من زجاجة الساعة اليدوية بقليل وهكذا تستمر هذه الوجبات ونحن طائعين !! ، اما الغداء فنتناول فيه عشرة ملاعق من الرز او اقل منها بقليل وفي اليوم التالي ناخذ ماء الحمص-اللبلبي - وفيه ملء كوب صغير من اللبلبي وفي اليوم الي يليه ناكل الكوكو - وهو بيضة مع الكراث مقلي بالدهن ... اما العشاء فيسير مثل نظام الغداء ونفس الاكل !!
وبالنسبة للفواكهة والخضر فتكاد ان تكون معدومة الا فيما يخص الرقي والطماطة فنتناولها مرة في الاسبوع او مرتين ..
ومن الطرائف والمفارقات الجميله.. حينما ياتي الرقي فمن شدة فرحتنا كنا نردد اغنية جماعية
لها بتلحين وكلمات الاستاذعبد القادر ايوب العاني (ابو وائل) :
قد جاءنا الرقي .. قوم اعطني حقي .. اكل ولا تبقي ... قد جاءنا الرقي
ههههههههههههههههههههه
كما ان هناك اغاني جميلة اذكر منها ما كان يرددها الاستاذ عماد مطر ذياب العاني
(ابو عماد) :
يمه اذكريني من تمر لفة كباب .. واغنية بس .. بس ... مو كافي اسر !!!!
وكان لها وقع مؤلم في نفوسنا نستذكر فيها زمن الخير والنعمة
ولعل الله يوفقني في ان اذكر بعض وجهاء القوم في معسكر اراك مخصوص ممن كان له حضور رائع ومؤثر وايجابي لتحصين الاسرى وحمايتهم من الجنوح واثارة المشاكل والمتاعب
التي طالما كانت تتواجد وتشيع في السجون ولكني اعتذر مقدما لكل اسير في هذا المعسكر ان نسيت احدا فيهم ويشهد الله العظيم باني غير متعمد في ذلك مطلقا واملي الكبير ان يستجيب اخوتي الاسري لنداء الموقع ويتواصلون معه على اكمال هذه الذخيرة من المعلومات التاريخية
وتقبلوا احترامي ومحبتي فقد نسيت نفسي ولم اتناول هذه المرة قدحا من الشاي اللذيذ
والسلام عليكم
اخوكم حربي موسى حسين
Harbi Mousa Hussein
---------------------------
عودة الى صفحة حربي موسى حسين
-------------------------------------------------------------------
خاص بموقع سنين الضياع
--------------------------------------------------------------------
لأرسال التعقيبات او الاخبار والذكريات
يرجى استعمال الاستمارة في صفحة تعقيبات الزوار
عودة الى الرئيسية
الحلقة : 6-10
والذي قرر ان يكتب لموقعنا ولاول مرة عن تجربته في الاسر للفترة من 1982 ولغاية عام 1996 ، اي ما يقارب 15 سنة ...
كتب الينا الاخ حربي يقول :
هذه المذكرات ، اكتبها بمرارة ولاول مرة في حياتي لاني اخشى ان اموت ولا يعلم بها احد من ابناء وطني الحبيب ... ، لاسيما اني كبرت وتجاوزت السبعين سنة
وتقبلوا فائق الشكر على حرصكم واهتمامكم بقضية مهمة من تاريخ العراق
والعراقيين بانسانية وموضوعية
-----------------------------------------
من مذكرات الاخ حربي موسى حسـين
السلام عليكم
الحلقة السادسة
6
حضر الى زنزاناتنا الانفرادية امر المعسكر العقيد فرج الله برنية وامر باخراجنا منها الى باحة الساحة الصغيرة .. ليلقي فينا كلمة !!!
وكان في حقيقة الامر يحمل مشروعا تسقيطيا لنا في وحل العمالة والارتباطات المشبوهة في عجلتهم السياسية والعسكرية.....
كنا باعينهم- اننا الصفوة او النخبة- ان سقطنا تحت عنوان توابين وهو اسم مهذب ظاهره حق وجميل وباطنه ليس كذلك لاننا في واقع الامر وحينما نكون احرارا في بيوتنا نتمنى ونتضرع الى الله تعالى ان يقبل توبتنا فكلنا مذنبون ومقصرون .. ولكني كما اسلفت كلمة تواب في القران شئ وفي ساحة السياسة والاسر شئ اخر !!
جلسنا جميعا في الباحة الصغيرة في وسط المعتقل وحضر العقيد برفقة الجلادين السجانين من المراتب والجنود والقى علينا السلام ثم قال بلغة عربية فصيحة: انا اعلم ان هذا المكان الذي انتم فيه لا يليق بكم ولا حتى بالحيوانات .. واريد ان احرركم منه واحسن اوضاعكم وظروفكم الصعبة بشرط ان تكونو توابين !! واريد لهذا المعسكر ان يراكم كذلك ليكونوا مثلكم .. وان اتخذتم هذا الموقف في اعلان توبتكم وقمتم بترديد الشعارات الاسلامية في التعداد الصباحي والمسائي فان الأسرى في المعسكر الذي ينظرون اليكم باعتباركم الصفوة والنخبة سيحذون حذوكم ويعلنون توبتهم ايضا ...
وبعد ان انتهى من الخطاب الذي فيه ليونة الافعى في ملامسها فقط ولكنها تخفي في انيابها السم طلب منا الكلام :
نهض عدد من الاخوة الاسرى فمنهم من شكى امره ومرضه وخطورة قلبه العليل واخر من قال بانه لا يعترض على عرض الامر ولكن يمكن فعل ذلك في المعسكرات المفتوحة التي تجري فيها مثل هذه الشعارات الاسلامية لنكون جزء منها منسجم مع واقعها وسياساتها واتجاهاتها فنضيع بينهم ولانصبح محطة للانظار في معسكر مغلق مثل اراك المخصوص !!!
وبعد ان استيقنت تماما ان امر المعسكر بدا يفهم تماما اننا وصلنا مرحلة الاعياء والتعب وسوف يطمع بصفحة استثمار الفوز في غزوه لنا ولوي سواعدنا وتطويعنا الى المزيد من الطلبات والتنازلات استعنت بالله العظيم على ان احسم هذا الامر الذي سيكلفني حياتي : فاستأذنته بالكلام وقال تفضل فقلت:
سيدي الامر: نحن الان بالتاكيد اسرى بايديكم وكذلك نحن عزل وضعفاء ولسنا سياسيين لاننا تركنا السياسة وحزب البعث في العراق .. ونريد ان نعود اليه دون تغيير قناعاتنا ومعتقداتنا . لنفترض جدلا انك لا سامح الله وقعت اسيرا بايديهم فهل تستجيب الى الضغوط العراقية وتردد
شعارات معادية الى بلدك ورئيسك ؟؟ ... وها نحن نجد انفسنا في نفس الموقف الصعب..، ولهذا يتعذر علينا ان نقوم بذلك .. ، ورايت في ملامح وجهه الاستياء لاني افشلت مشروعه وغلقت الامر تماما باعطاء القوة والمعنوية لاخواني في الثبات والانتباه لمخططاتهم الشريرة وقال لجنوده بغضب واضح اعيدوهم الى الزنزانات وغادر المكان ..
وهنا ارتاح ضميري جدا ولكني لا اخفيكم باني لم اكن اخاف الموت جدا ولكن كان يتملكني الرعب من طريقة القتل وقبل ذلك بايام قتل الجندي الحارس زاجي من الاحواز في عربستان احد الاسرى من اهالي ديالى وكنا نشاهده من الزنزانات الانفرادية ونحسب عدد الضربات
في الجلد وقد تجاوزت 200 جلدة ومات بعدها وانتقلت روحه المعذبة الى السماء
فتركت وصيتي بيد عدد من الاخوة في الزنزانة لايصالها الى زوجتي واطفالي اذا قدر الله لهم العودة سالمين .. ولكن الله عز وجل شاء لي حياة اطول وانقذني من الانتقام وذلك بانشغال الآمر بامر اهم من قضيتي .
واقول لكم ايضا :
ونسال الله لكم ولي السلامة والامن واساله تعالي ان يلين قلوبكم على عباده ويجعلكم تخافونه حينما تكون بايديكم سلطة
لا تظلمن اذا ما كنت مقتدرا فالظلم اخره ياتيك بالندم................. تنام عيناك والمظلوم منتحب وعين الله لم تنم
اتوجه الى الله العظيم واتضرع اليه ان يغفر لكل من آذاني او اساء لي
حربي موسى حسين - 21-3-13
Harbi Mousa Hussein
------------------------------------
السلام عليكم
الحلقة 7
ما الذي كان يفعله الاسرى في معسكر مخصوص وكيف يقضون وقتهم عبر السنين الطوال ؟
اولا ان من تعليمات واوامر ادارة المعسكر ان لا يسمح بالقلم والورقة على الاطلاق .. فماذا كنا نفعل سرا و خفاء لتوفير البديل ؟
كنا ناخذ قطعة من القماش المتهرئ بحجم الورقة ونشبعها بالصابون السميك وبعد ان تنشف نمسحها بالصابون الجاف اي بعيدا عن الماء والرطوبة الى ان تتيبس وتجف تماما .. وهنا نوفر لها اية خشبة او شئ صلب نشذبه ونعدله على هيئة قلم مدبب الراس للكتابة العادية وبعد ان نحفظ المادة المكتوبة عليها من قبل الاساتذة والاخصائيين بالمعسكر نمسحها ايضا بالصابونة الجافة عن طريق الاحتكاك فتصلح
بعدها لكتابة مادة اخرى ... ...
وهناك تصميم اخر لراس او حافة القلم على شكل غير مدبب لغرض الخط العربي فيكون الراس عريض بعض الشئ ليكتب اصحاب الاختصاص بالخط العربي نموذجا للحروف وعلى المتعلمين ان يرسموا تلك الحروف بدقة تخضع للتصحيح والمراجعة من قبل المعلم
المختص . .. والحمد لله تعلم عدد كبير من الاسرى جميع اللغات كالانكليزية والفرنسية والاسبانية والاشورية ...والعربية ايضا لعدد من الاميين ... واذكر منهم الطالب المتميز علي حلبوص الدحام من اهالي الصويرة . كان اميا فتعلم اللغة العربية قراءة وكتابة اضافة الى انه تعلم الانكليزية واصبح فيها كفؤاً ينافس اصحاب الاختصاص .. ولا اكتمكم سرا أني كنت اساله عن معاني بعض الكلمات رغم اني
استاذه وادرسه هذه اللغة !!!
وهناك اميون كثيرون تعلموا القراءة والكتابة منهم سعيد سلمان حسون من مدينة الثورة وكذلك اذكر من الطلبه الدارسين تركي
شايع وتعلم الفرنسية بطلاقة واللغة الانكليزية ايضا رغم انه كان خريج الدراسة الابتدائية !!
وكان هناك ايضا مدرسون في اختصاصات غير اللغات وانما في مواضيع مختلفة كالتاريخ الذي كان من ابرز المشاركين فيه الاستاذ عبد القادر ايوب احمد العاني والاستاذ محمود كاظم التميمي واستاذ من هيت او حديثة نسيت اسمه الاول للاسف الشديد والاستاذ زهير
الشهد الذي كان متخصصا بالاقتصاد واللغة الروسية واخرين كثيرين لا تسعفني ذاكرتي لاستحضار اسمائهم فكانوا كخلية النحل متعاونين واثمرت جهودهم في اعداد كم هائل من المثقفين
وفاتني ان اشير الى ان عددا من الشعراء درسوا الاسرى بحور الشعر من امثال الاستاذ عدنان عبد الحميد السوز من اهالي الناصرية سكن في بغداد حي البنوك وعلي العبيدي من اهالي المحمودية واخرين لاتحضرني اسماءهم للاسف الشديد..
اذكر ايضا ان عددا من الاخوة الاسرى معي اصيبوا بمرض الجرب وعزلونا في قاعة منفصلة عن الاسرى منهم تكليف كريم وناس
وجبار العنبليسي من كربلاء واخرين لا تحضرني اسماءهم .. يشرف على علاجنا الدكتور قاسم من اهالي الحي العربي ( حي الزعيم سابقا)
وكان مثالا للاخلاق العالية والخدمة الرائعة
الى هنا استودعكم الله برعايته ويحفظكم من كل سوء ونلتقي بحلقة اخرى قريبا ان شاء الله
-
Harbi Mousa Hussein
--------------------------------------------------
من مذكرات حربي موسى حسـين
السلام عليكم و رحمة الله
الحلقة الثامنة
11-4-2013
8
قبل ان اتناول الحلقة الثامنة اود ان الفت انتباه الاخوة الى ان هناك عدد كبير من الاخوة الذين قدموا خدماتهم المتميزة الى الاسرى في الجانب التربوي والتدريسي لم اذكره بسبب النسيان غير المقصود فارجو ان يعذروني ..
ومن هؤلاء الاساتذة الكبار مثلا حازم ناجي الصفار والاستاذ ابو غسان السامرائي وغيره ممن لا تحضرني اسماءهم وكثيرون من الاخوة الاعزاء الذي شاركوا بسرد القصص الجميلة والروايات والشؤون الثقافية المتنوعة من امثال الاستاذ سعدون علي مهدي العزاوي وسعد عبد الجبار العبيدي وصبري زعيتر وعلي العبيدي اسال الله العزيز ان يثيبهم في الدنيا والاخرة .
ومن الطرائف التي تضحك وتبكي اننا كنا نصنع ادوات الشطرنج من الكارتون وكان هناك عدد من الرسامين والمصممين الذين يرسمون لنا هذه الاشكال - لطيف جاسم عويد المحمدي .. وكان يعجبني فيه هدوءه حينما اغلبه اما انا فلا اطيق الخسران ويهزمني احد بهذه اللعبة . اذكر ذات يوم كنت العب مع الاخ الشهم النبيل الشجاع الطيب ابو رفل من اهالي الموصل ومن بيت النجار ، ورآنا الجندي الحارس الايراني نلعب .. ففتح الباب واراد ان يخرجنا منها للجلد ولكن الاخ ابو رفل ادعى بانه كان يلعب مع نفسه ولا علاقة لي بهذه اللعبة ونجحت محاولته واخذ المقسوم من عقوبة الجلد .. وذلك لانه اشفق علي لكبر سني ولم يرتضِ لي ان اتعرض للجلد ..
واذكر حادثة اخرى ضبطني الحارس الايراني باني احتفظ بحَجَرة كبيرة الحجم ( طابوقة) في الزنزانة وطلب مني ان اخرج لغرض نيل العقوبة فتصدى له الاخ الحبيب عماد العاني من اهالي المنصور وادعى ان الحجرة تعود له لياخذ بنفسه العقاب بدلا عني !! هكذا هي المروءة العراقية والشهامة في حماية بعضنا البعض بتقديم التضحيات ..
وكان مسؤول المعسكر من المراتب الايرانية هما نائب عريف قنبر وعريف روحي اما آمر المعسكر فهو العقيد فرج الله برنية !!
ورغم ان الذي كان يسود علاقاتنا الاجتماعية بشكل عام هي الاجواء النقية العراقية الطاهرة ولكن للاسف كان يعتريها بشكل نسبي ما نشاهده اليوم في مجتمعنا المريض بعد الاحتلال البغيض!.. ، رغم ان الجميع يشاركون بقاسم مشترك ثابت واكيد ولا غبار عليه : وهو العراقية والوطنية ...
وبعد عودتنا من الاسر قمنا باتصال صادق وحميم بكل العائدين حتى وان كان في اسرنا شئ من النفور او عدم الانسجام .. لسبب واحد هو اننا في الاسر خضعنا لتجربة قاسية جدا جدا جعلتنا نحب بعضنا بعضنا ان كنا من شمال العراق او جنوبه او غربه ..
ولو شاء القدر (لاسامح الله ) ان نكون في دائرة الضوء واعضاء في البرلمان لما تجد اية طائفية مقيته او محاصصات كما نجدها اليوم عند اشباه الرجال ومعظمهم بالبرلمان.
اسمحوا لي ان اعود للمطبخ لعمل قهوة عراقية مهيلة تنسيني ذكريات الاسر ..
وانتظروا الحلقة القادمة لتسمعوا مني شيئا مذهلا وخطيرا وشجاعا ان شاء الله .. فانا بطبيعتي ان اردت القول فلابد ان لا اضع في بالي ردود الافعال ابدا لاني مطوق بالمسؤلية اما م الله عن كل كلمة اقولها هنا ولا يشفع لي فيها اي قارئ فيكم عما اكتب الا الصدق وحسن النية والامانة التاريخية.
اخوكم حربي موسى حسين
----------------------------------------------------
الحلقة 9
15-4-2013
السلام عليكم : سلام قولا من رب رحيم
وعدتكم باني في هذه الحلقة اكتب لكم شيئا قد يكون مهما وحساسا اكثر مما ذكرته لكم في الصفحات السابقة ... ولكني سوف اتريث في نشرها بهذه الحلقة واجعلها حلقة الخاتمة في هذه السلسلة التي اختزلت فيها 15 سنة بموجز متواضع لا يكاد يفي بما ينبغي له ان يكون ووفاء لاحبائي في الاسر .. فكلما انتهي من حلقة تحضرني ملاحم الاسرى التي انجزوها وقدموها لاخوتهم المحجوزين وراء القضبان سنين وسنين فاشعر باثم كبير وتقصير غير متعمد بحقهم لا ينفعني فيه التماسي للعفو ابدا بل ان الكتيب الذي احتفظ به هو الاخر تنقصه معلومات كثيرة وحوادث كثيرة .. الامر الذي دفعني الى التريث بنشره وتاخيره بعض الوقت لعل اصدقاء الاسر الذين ابعث لهم هذه المذكرات يبعثوا لي التفاصيل الاخرى التي فاتني استذكارها لقدمها... او ان يبعثوها مباشرة الى موقعكم الجليل لنشرها استكمالا
للموضوع وايفاء به ..
هنا وددت الاشارة الى جانب هام وهو ما يتعلق بالتعتيم الاعلامي على المعسكر وعزلته عن العالم اجمع ، فاستطاع عدد من الاسرى التنسيق مع الجنود الايرانيين الحراس علينا واستمالتهم والتنسيق معهم لتوفير اجهزة ترنسسترات ، واقصد بها اجهزة راديو تعمل على الباتري مقابل بعض المال .. وتم لنا ما نريد بنجاح وكانت مشكلتنا انذاك كيف واين نخفي الاجهزة ومتى نستمع الى الاخبار عن العراق ...؟؟!!
فكنا نحتفظ بها في ساحة المعسكر الذي نخرج من زنزاناتنا اليه خلال فترة الاستراحة
واستنشاق الهواء الطلق ... حيث نحفر في الارض حفرة ونغلف الراديو بشكل يمنع وصول الرطوبه اليه .. او نحفظه فى داخل الزنزانة وذلك بان نحفر له في التخت
( اي الخشبة التي ننام عليها ..) نحفر فيها اشبه ما يكون بالقبر لحفظه فلا يعثر
عليه الجنود الايرانيون اثناء التفتيش . ان حمل جهاز راديو هو امر خطير على حياة الاسير وعلى الجندي الحرس الذي اوصله الينا
وخطورته لا تقل عن قنبلة يدوية تفجرها على العدو !!!!
كان صديق الاسر الطيب عبد الزهرة محمد عناد البهادلي يحمل جهاز راديو في زنزانتنا بالمعسكر ومن غرفتنا ما نسمعه من اخبار عن العراق نبثها الى الاسرى ونطمئنهم بما يجري بدون كذب او مبالغة او اضافة او نقصان !!
وكان ايضا الصديق خليل الدبي من الرمادي يملك جهازا لبث الاخبار عن العراق الى المعسكر .. كما ان الاخ ابو زينب حفظه الله يملك جهازا وكان عاقلا ومهذبا وعلى درجة عالية من الاخلاق ويبث بطرقته ما يسمعه من الاخبار الى المعسكر .. وقد خدمنا جدا بصفته ارشد المعسكر .. والارشد مصطلح تعودنا عليه بمعنى مسؤول المعسكر تشبه وظيفته وظيفة مراقب الصف بالمدرسة .
وهنا ايضا اوجه اعتذاري الى من لم يحظرني اسمه لكبر سني وضعف ذاكرتي .. واتركه لاصدقائي بان يكملوا لي المعلومات برسائلهم ان شاء الله .
شئ مهم ان اوضحه لكم عن التفتيش والمداهمات المفاجئة بين فترة واخرى والتي تجري للبحث عن اية ورقة او قلم او راديو او...او... اي شئ ممنوع فان عثر عليه فلابد ان ينال العقاب الصارم بالجلد المبرح والسجن الانفرادي للمخالفين...
احبائي وابناء وطني الحبيب اترككم الان بشكل مؤقت لاني مدمن على القهوة والشاي اريد بهما ان ادخل الدفء الى معدتي بعد ان عجز عن تحقيقها الزمن الغادر فاذاقنا مرارة الاسر
والحرمان وفي احلى مرحلة من اعمارنا فلا دفء ولا حياة ولا طمانينة ... بل
قلق مستمر واضطراب في النفس والاعصاب.. اراكم بخير في حلقة قادمة اشرح لكم
فيها وجبات الاكل والتغذية البائسة واثارها الصحية علينا جميعا وظهور
الامراض بسبب النقص الغذائي وسوء التغذية.
اخوكم حربي موسى حسين
Harbi Mousa Hussein
------------------------------------------------------------------
10 -الحلقة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ماذا كان ياكل الاسرى طوال تلكم السنين في معسكر اراك مخصوص؟
لاشك انهم كانوا يعانون من سوء التغذية ونقص حاد في العناصر الغذائية الضرورية والاساسية في بناء الجسم كالفيتامينات والبروتينات والمعادن والكاربوهايدرات والاملاح .. فظهرت اثارها على العظام والاسنان لنقص الكالسيوم اضافة الى تعرض كبار السن الى مرض هشاشة العظام - اوستيوبوروسيز و وامراض اخرى كضعف البصر والاعصاب والجنس وامراض الغدد والجهاز الهضمي والبواسير !! والامراض النفسية والعصبية
ولعل من المؤسف حقا ان المصابين بالبواسير يحالون الى اطباء اسرى من التوابين في مستوصف ديزبان بالحشمتية بطهران.. وهم ليسوا جراحين اواصحاب اختصاص بل هم اطباء باطنية مكلفين باجراءعمليات جراحية للاسرى المصابين !!
واذكر ان الاسير ابو حيدر ( اسم ابيه كاطع) من مدينة الثورة اجريت له هذه العملية بهذا المستوصف ولكنه اصيب بعدها بالانسداد ولا يخرج منه الغائط الا القليل جدا فعاد الى المستوصف وحاول اطباؤنا العراقيون اجراء مساجات التوسيع للمخرج او الشرج فلم يجدي ذلك نفعا مما تسبب في موته فيما بعد (رحمة الله عليه)
ان الاخوة الاطباء العراقيين في مستوصف ديززبان كانوا يؤدون واجبهم المهني بشكل رائع لا يفرقون بين معارض او مستقل او تواب وكان مسؤول المرضى الدكتور عبود ولكن مسؤول المستوصف ايراني برتبة عقيد نسيت اسمه.. واذكر ان احد الاخوة الاطباء التوابين نصحني بعدم الموافقة على اجراء عملية جراحية لاستئصال اكياس مائية تحيط الكبد لخطورتها
ولضعف كفاءة الجراح الايراني بالمستوصف فانه جاء ليتدرب علينا ويكتسب خبرة ..
وكان صادقا وطيبا مع المرضى وطلب الي بان لا اذكر اسمه ..
فماذا افعل و بعد ان وقعت بالموافقة على اجراء العملية ؟؟ ، فكرت بعذر ينقذني من العواقب المؤذية فكذبت قبل يوم من اجراء العملية واسال الله ان يغفر لي فاني كنت خائفا ومضطرا :
قلت للدكتور رايت في الرؤيا ان الامام علي عليه السلام طلب مني التريث في اجراء العملية
.. وتاجيلها !! ، فلم يتفوه بكلمة واحدة لكن ملامحه تشير الى الاستياء وعدم الارتياح ولعله استشف مني اني لم اكن صادقا !! .
اعود الى وجبات الاكل التي كنا نتناولها باختصار : وجبة الفطور هي ملعقة من المربى مع قطعة من الخبز وفي اليوم التالي بيضة واحدة مع قطعة من الخبز وفي اليوم الذي يليه قطعة
جبن صغيرة اكبر من زجاجة الساعة اليدوية بقليل وهكذا تستمر هذه الوجبات ونحن طائعين !! ، اما الغداء فنتناول فيه عشرة ملاعق من الرز او اقل منها بقليل وفي اليوم التالي ناخذ ماء الحمص-اللبلبي - وفيه ملء كوب صغير من اللبلبي وفي اليوم الي يليه ناكل الكوكو - وهو بيضة مع الكراث مقلي بالدهن ... اما العشاء فيسير مثل نظام الغداء ونفس الاكل !!
وبالنسبة للفواكهة والخضر فتكاد ان تكون معدومة الا فيما يخص الرقي والطماطة فنتناولها مرة في الاسبوع او مرتين ..
ومن الطرائف والمفارقات الجميله.. حينما ياتي الرقي فمن شدة فرحتنا كنا نردد اغنية جماعية
لها بتلحين وكلمات الاستاذعبد القادر ايوب العاني (ابو وائل) :
قد جاءنا الرقي .. قوم اعطني حقي .. اكل ولا تبقي ... قد جاءنا الرقي
ههههههههههههههههههههه
كما ان هناك اغاني جميلة اذكر منها ما كان يرددها الاستاذ عماد مطر ذياب العاني
(ابو عماد) :
يمه اذكريني من تمر لفة كباب .. واغنية بس .. بس ... مو كافي اسر !!!!
وكان لها وقع مؤلم في نفوسنا نستذكر فيها زمن الخير والنعمة
ولعل الله يوفقني في ان اذكر بعض وجهاء القوم في معسكر اراك مخصوص ممن كان له حضور رائع ومؤثر وايجابي لتحصين الاسرى وحمايتهم من الجنوح واثارة المشاكل والمتاعب
التي طالما كانت تتواجد وتشيع في السجون ولكني اعتذر مقدما لكل اسير في هذا المعسكر ان نسيت احدا فيهم ويشهد الله العظيم باني غير متعمد في ذلك مطلقا واملي الكبير ان يستجيب اخوتي الاسري لنداء الموقع ويتواصلون معه على اكمال هذه الذخيرة من المعلومات التاريخية
وتقبلوا احترامي ومحبتي فقد نسيت نفسي ولم اتناول هذه المرة قدحا من الشاي اللذيذ
والسلام عليكم
اخوكم حربي موسى حسين
Harbi Mousa Hussein
---------------------------
عودة الى صفحة حربي موسى حسين
-------------------------------------------------------------------
خاص بموقع سنين الضياع
--------------------------------------------------------------------
لأرسال التعقيبات او الاخبار والذكريات
يرجى استعمال الاستمارة في صفحة تعقيبات الزوار
عودة الى الرئيسية