رحلتي في بلاد العمائم
مذكراتي في الاسر 1982-1990 الحلقة العاشــرة
طارق الاعسم
اذاسقط مؤمن و كافر في النهر فسينجو من يعرف السباحة !!! حكمةهندية
الله لايرضى عليك ياشيخ !!!
بعد ايام اقتحم الزنزانة مجموعة جنود فجأة وقت الغداء يتقدمهم مدني يتحدث اللهجة العراقية بطلاقة ونادى على اسماعيل فنفض يداه من الطعام فرحآ فقد ظن ان اوان عودته للعراق قد حان واذا بالمدني يسأله بلهجة صارمة عن رقم تلفون شقيقه وزير الخارجية (سعدون حمادي)الشخصي فردّ اسماعيل له الرقم بسرعة دون تردد وحينها تركوه فعاد للجلوس معي لاكمال طعامه فعنّفته بشدّة لانه اعطاهم الرقم بكل سهولة فاجابني ضاحكآ :عيني ابو زياد آني مفوض شرطة واختصاصي التحقيقات فكان لازم اجاوبهم بسرعة ودون تردد لاىبأي رقم يخطر ببالي حتى لايشكوا في صدق جوابي ولو اني ترددت لما صدقوني بعد ذلك ولو اعطيتهم الف رقم , لذلك اعطيتهم رقم لا أدري ماهو (وشمدريني يطلع محل حلاقة بالسعدون لو دكان عطّار ببغداد الجديدة!!!!) فضحكنا وحينها ادركت ان اسماعيل ثعلب وليس ساذجا كما تصورناه ولكنه مع ذلك بقي اسير احلامه بالعودة وانقطعت بعد ذلك اخباره بعد ان نقلوه الى معسكر آخر **هامش (بعدها بست سنوات على ماأظن سمعت في سماعات الاذاعة الداخلية الايرانية الناطقة بالعربية والموجهة للاسرى قصيدة شعبية تافهة توجه السباب لسعدون حمادي وتسخر منه وتبشره(!!) بان شقيقه صار تواب وفي ظني ان اسماعيل قد افاق من احلامه الوردية على كابوس اليأس وانتقل الى طريق ينجيه بحسب ظنه من السجن باية طريقة ولكنه خرج من حفرة ليقع في بئر وانا لا ألومه على كل حال فبشاعة الاسر اوحت لبعض الاسرى احيانا بطرق جهنمية للخلاص مهما كان الثمن واخطر مايمر به الانسان هو ان يفكر بالحل مهما كان الثمن فحينها سيدفع اضعاف ماتستحقّه البضاعة ايا كانت وتلك هي المصيبة.)
كان معنا في الغرفة مفوض مرور من الرمادي كان يكنّى ب(ابو سند)وبرغم التجاعيد العنيفة في وجهه والشيب المشتعل في رأسه لكنه كان ذا جسم رياضي واضح الحيوية وعلمت من جندي من قريته ان شعره قد شاب خلال ثلاثة ايام اثر وفاة شقيقه الاصغر بحادث دهس وانه اعتكف في غرفته طيلة ايام الفاتحة على روحه ليخرج اشيب الرأس بشكل غريب, وكان يأكل معه في نفس القصعة (طه .ي.ش.الدليمي) وهو شاب ضخم الجثّة له قلب طفل من الراشدية وكان طه يقوم على خدمة ابي سند كأنه اباه احتراما, وكان له صوت شديّ في تلاوة القرآن ويقلد قراءة الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وكان يقرأ لنا القرآن كل صباح بصوته الرائع .
طه له قصّة لطيفة كان يحب ان يرويها دوما فقد كان يتيما يعيش في كنف عمّه الذي يعتبره كأبناءه وكان يحلو لشباب القرية ان يجالسوه على حافة النهر في بساتين المنطقة ويطلبون منه ان يغنّي لهم مقاطع يجيدها لام كلثوم وكان عمره آنذاك الرابعة عشر وكان بدوره يزهو بصوته وعلم ابن عمّه المتديّن بمسامراته وغناءه فنهره شارحا له ان الغناء حرام وان عليه ان يشكر الله على نعمة الصوت الجهوري الذي يمتلكه وان عليه ان يؤدي زكاة هذه النعمة في تعلم تلاوة وتجويد القرآن ,اقتنع طه فجلب له ابن عمّه جهاز تسجيل وشرائط للقاريء عبد الباسط عبد الصمد وهيدفون وطلب منه ان يستمع ويقلد الشيخ عبد الباسط,وابتدا طه فعلا في الاستماع لقراءة الشيخ عبدالباسط لسورة الفاتحة التي يقرأها بنفس واحد من البسملة الى (اياك نعبد) وحين يتوقف يصرخ المنصتون في التسجيل بعبارات الاعجاب (اللللللللللله الله يرضى عليك ياشيخ الله يرضى عليك ياشيخ) ... واذا ب(طه) ينتبه الى صوت خافت في التسجيل يقول في آخر همهمة المستمعين عبارة (الله لايرضى عليك ياشيخ)!!! اعاد طه التسجيل وفي كل مرّة يستمع لذات العبارة (الله لايرضى عليك ياشيخ) فقفز طه راكضا الى ابن عمّه ليخبره ان هنالك شيطان في جهاز التسجيل يهمس بشتائم ضد الشيخ عبد الباسط فقفز ابن عمّه ليستمع بنفسه للتسجيل فيما وقف طه خائفا بباب الغرفة يتمتم بالمعوذات ,تأكد ابن عمّه من العبارة فجنّ جنونه واخرج الكاسيت وخرج من الغرفة مسرعا وهو يتمتم بشتائم على طه الذي دنّس المنزل الطاهر باغاني الدعارة وهاهي النتيجة !!! ، وهرول الى المقهى القريب وقرر الاستماع له من مسجّل المقهى الطاهر الذي لايفتح الراديو او المسجل الا على القرآن!!!! .. ولكن المصيبة ان العبارة ذاتها راحت تبرز كل مرة رغم تغيير الجهاز ورغم انف ابن عم طه المرعوب الذي تنهّد لسرعة ظهور دليل براءته .
ذهب طه وابن عمه الى صاحب محل التسجيلات الشهير في شارع الخيام في الباب الشرقي ببغداد ليواجها صاحب المحل بالكاسيت الذي يحمل ختم محلّه وحاول صاحب المحل طردهما وبعد مشادّة امام باب المحل تراجع صاحب المحل بعد ان فحص كاسيتات عبدالباسط الموجودة لديه ليكتشف العبارة في مجموعة الكاسيتات في المحل رغم ان النسخة الاصلية التي يسجل منها(الاوريجنال) تخلو من العبارة المسيئة واذا بصاحب المحل يجري خلف العامل المسؤول عن اوردرات التسجيل والذي يبيت في المحل كل يوم ليسجل للزبائن طلبياتهم من الاغاني واية تسجيلات وتبين ان اخونا كان سكرانا بربعيّة عرك زحلاوي وهو يسجل طلبيات عبد الباسط وانه شكّل يكرفون في جهاز التسجيل المركزي وحين اغاضه صراخ المُنتَشين بقراءة الشيخ عبد الباسط قام بشتمه بعبارة هامسة تختلط بصراخ المادحين!! والله لايعطيك ياشيخ, ورحمة الله على روح الشيخ عبد
الباسط.
طارق الأعســم
----------------------------------------------------------
يمكنكم مراسلة السيد طارق الاعسم على الايميل ادناه
[email protected]
نشرت على موقع سنين الضياع في 13-5-2013
-------------------------------------------------------
لأرسال التعقيبات والملاحظات أو لقراءتها ، يرجى زيارة صفحة تعقيبات الزوار
To Add a comment, visit our Contact Page for more options
------------------------------------------------------
عودة الى صفحة مذكرات الأســرى