رحلتي في بلاد العمائم
مذكراتي في الاسر 1982-1990 الحلقة الثامنـة
طارق الاعسم
"الإنسان هو الحيوان الوحيد الذي يثير رعبي.. بينما لا يشكل الأسد الشبعان أي أذى؛ فليس لديه أية مذاهب أو طوائف أو أحزاب..” .شكسبير
اجيب صوت فريد!!
صحونا على صراخ الحراس فينا ووزعوا علينا شوربة هرطمان وقطعة خبز وجلب لي جمال افطاري باناء معدني فيما جلب افطاره وافطار حيدر باناء واحد (افطار عرايس).
بعد حوالي ساعة دخل عريف ايراني معه مترجم عربستاني وبيده قائمة اسماء وامرنا بان كل من يذيع اسمه يتوجه الى الخارج واذيعت اسماء 18 اسير واخرجونا الى الساحة واعانونا للركوب في سيارة مرسيدس 24 راكب وتوجهت بنا بصحبة ستة من الحرس الى طريق تحفّه الاشجار الى المستوصف لنقل الاسير المصاب في عينه بشضية والذي لازال مصراً انه ايراني من الاهواز!!!!
توجه بنا الباص بعدها الى خارج المعسكر واذا بنا في قلب العاصمة طهران وقد ذهلنا لجمال المدينة والعمارات الشاهقة والنظافة المتناهية في الشوارع والفاترينات الجميلة. توجهنا بطرقات جبلية وسط منطقة ارستقراطية ,استغرقت الرحلة نصف ساعة تقريبا حتى وصلنا الى بنايات كانت في الاصل
مدرسة داخلية خاصة بالسفارة الامريكيّة تعنى بابناء الدبلوماسيين الامريكان تقع في حضن جبل في شمال طهران في منطقة الداوودية. **هامش(حيث كانت هنالك سفارة امريكيّة ضخمة جدا في طهران في زمن الشاه تحتل مساحة شاسعة بنيت عليها 68 عمارة تابعة للسفارة ويقال ان فيها غابة ضخمة وان التنقل بين انحاء السفارة كان يتم بقطار صغير او مترو!!!)
وصلنا للمعسكر الذي كان يؤهّل ليكون اول معسكر اسرى اريد له بعدئذ ليكون معسكرا سرّيا
بعيد ا عن انظار الصليب الاحمر الدولي وايّة منظمة دولية لان ايران قد قررت تصحيح خطا قد وقعت فيه وهو انها سمحت للصليب الاحمر ان يسجّل روتينيّا كل اسير يقع في قبضتها قبل معارك ديزفول في اذار 1982 بل كانت تذيع لهم لقاءات في الراديو , ولكنها عمدت بعد هذا التاريخ الى خطة شيطانية مفادها ان تختار مجموعات من الاسرى تضعهم في معسكرات اسر سرّية لتستفيد منهم كورقة مستقبلية للتفاوض وساعدها على ذلك الاعداد الهائلة التي وقعت في الاسر في معارك دزفول والمحمرة والطاهري والتي بلغت عشرات الالوف فقامت بانتقاء الاف منهم لتخفيهم عن عيون المنظمات الدولية الى حين وقد بررت السلطات فعلتها تلك بان الجانب العراقي يخفي الاف الاسرى في سجون سرية في العراق ، ثم طوّرت ايران خطتها بان بدأت بانتقاء نوعيات معينة من الاسرى
لتخفيهم كالاسرى العرب او الاسرى الذين يرفضون ان يكونوا طيّعين لها والذين يعمدون الى مقاومة غسيل الدماغ الذي ابتدا بشكل منظم في اواخر عام 1982
كانت البنايات في المعسكر تحتضن مرتفعا جبليا حتى ان جانبا من القاعات كان بمستوى الارض فيما كانت القاعات من الجانب الاخر تطل على واد , وضعونا في قاعات تطل على ساحة معبدة
بالحصباء ولم يكن هنالك سياج محيط بالمعسكر وكانت اعمال لحام تجري للشبابيك على عجل ,صعد بنا الحرس الى الطابق الاول من بناية من (طابقين وارضي ) وساروا بنا في ممر طويل تقع فيه غرفه على جانب واحد حيث وضعونا في قاعة كبيرة مدهونة حديثا قبل نهاية الممر الذي ينتهي بحائط بلا شباك وسلموا كل منا بطانيتين ومنشفة نفرش واحدة ونعمل من الاخرى مخدّة وبذا كنا نحن اول تسعة عشر اسير دشّنوا المعسكر.. و كنت من بينهم.
جلبة في الممر,, فتح باب الغرفة-الزنزانة فجأة ودخل جندي ايراني مسرعا وصارخا بنا (بلانشو...بلانشو) لم نفهم منه مايريد ..ازداد هياجه وغباءه وكأنّه عندما يصرخ بالفارسي فان الكلمة سيتم ترجمتها في الهواء!!! ، خرج الاسير الذي يدعي انه ايراني من صمته صارخا فينا :
يكلكم اوكفو انهضوا!!!! ، فنهضنا مسرعين وماأن وقفنا حتى رتبنا الجندي صفا واحدا على الحائط وهرول خارجا ليعود ومعه آخرون دخلوا الغرفة صرخ الجندي بزملائه باعلى صوته بكلمات مبهمة بايعاز عسكري واذا بالجميع يؤدون التحية لزائر معمم بعمامة بيضاء دخل الغرفة كان وجه المعمم متجهّمآ وانفاسه تطلع وتنزل وهو يحدق فينا بحنق يرافقه ضابط برتبة ملازم اول , همس المعمم باذن آمر المعسكر فانحنى له مطيعا واعطى ايعاز ليخرج جنوده الى خارج الغرفة الا اثنين بقيا واقفين كالاصنام بخدمة المعمم الذي صار يتمشّى امامنا بعبائته التي راح يثني اطرافها بعصبيّة مدقّقآ في الوجوه, اثار انتباهه احدنا واسمه (حسين .ع.ط) لوجود اثر قديم طبرة غائرة في خده وحسين هذا من اهالي محلّة الذهب في الكرخ وكان سكيرا يقضي حياته بالحانات ويعمل نهارا جابي مصلحة نقل الركاب ,اشار له الشيخ المعمم باصبعه بان يتقدّم وما أن تقدّم حتّى بادره بعدوانية وبلهجة عراقيّة شدّت انتباهنا:
(شسمك ولك؟) فاجابه :(حسين) ..
فغمغم الشيخ بما يشبه خيبة الامل !!!! ليبادره بسؤال غريب تماما عن اسماعنا اعادنا الى يوم السقيفة..!!!(سني لو شيعي؟)
فاجابه حسين بارتباك شيعي شيخنه
هممم... اتصلّي؟
بتردد واضطراب: اي اي شيخنه
همممم اتقلّد من؟...
صفن حسين صفنه الحيران أو قل صفنة زمال حساوي لانه لايعرف (ولانحن كنا نعرف) التقليد وظن حسين كما ظننّا ان الشيخ يحب الكيف والطرب ويقصد تقليد اصوات المطربين فاجاب حسين بعفويّة (والله شيخنه اجيب صوت فريد الاطرش)!!!
فجنّ جنون الشيخ المعمم وطار وقاره مع مداسه الذي طار ليلقفه بيده وينهال به على رأس حسين صارخا(دنعل ابوك لا أبو فريد ...اليوم انعل والديك فانهال الجنود الايرانيون على حسين المسكين دون ان يفهموا طبعا (ولا نحن فهمنا حينها) ماألذي أثار الشيخ؟؟!!!!!.
طارق الأعســم
----------------------------------------------------------
يمكنكم مراسلة السيد طارق الاعسم على الايميل ادناه
[email protected]
نشرت على موقع سنين الضياع في 6-5-2013
-------------------------------------------------------
لأرسال التعقيبات والملاحظات أو لقراءتها ، يرجى زيارة صفحة تعقيبات الزوار
To Add a comment, visit our Contact Page for more options
------------------------------------------------------
عودة الى صفحة مذكرات الأســرى