من مذكرات وسـام الحكيم
الذي قضى اكثر من ثمان سنوات أسير حرب في ايران
1
سنين في سطور ...ـ
لااعتقد ان هناك اسير لايتذكر بوضوح يومي الاسر والعودة ، النزول الى الهاويه والرجوع من الموت وكيف تم تحولنا من حرب الى اخرى لم تدر في بالنا ويستحيل تصورها، اعتقدناها محطة انتظار لاول وهله..ـ
كنا بالمئات على مااعتقد في مستودع خال لمعمل السكر في الشوش صباح يوم من اواخر اذار٨٢ الارض في هذا المكان بارده رطبه دبقة من بقايا السكر المخزون، ورغم جدية الموقف وكآبته الا اننا كنا نسمع بعض التعليقات المضحكه غير المنطقية ..لعدم انسجامها مع الواقع المرير المحيط بنا آنذاك.. ، فمثلا اثناء انشغال الحراس بعملية اجلاسنا بخطوط متوازيه ولم تكن سهلة .. ، فقد اطمأن جماعتنا انهم بمأمن من الاعدام الذي واجهناه قبل قليل في الجبهات.. فصاروا يتحدثون كمن لايسمع او يفقه ماحوله . فيسال احدهم وين راح ننام ؟ ، والاخر ليش احنه اكلنه ليهسه حتى ننام ؟ وتساءل اخر ابعد من هذين شوكت يودونا للخلفيات ، قابل نبات هنا ؟ هذا للاطمئنان ان نبعد عن مدى الصواريخ التي اشيع وبدون مصدر للاخبار ان المدينه ستتعرض لها انتقاما لنا اومنا كما اختار البعض .ـ
فوضى واصوات عاليه تخترقها صرخات الحراس الآمره " بشن" يعني اجلس فكان قسم من الجالسين يقول" اكعدو اخوان رحمة لوالديكم لاتجيبولنه الاهانه " .. احد الواقفين يرد باستنكار " قابل آني واكف هيجي اني دا ادور على صاحبي ابو حالوب .. قابل احنه بالعراق , شنو هاللواكه ", تاتيه ضربة حزام مع " بشن" يجلس ويدردم ..اكيد يسب الحرس ومن حوله من المتشفين .ـ
جاء الأكل .. قطعة خبز وتمر وقطعة جبن ابيض .. لم استطع تناول شئ لان المشهد والاحداث وكل ما يصعب وصفه او استيعابه قذارة .. اهانه .. فوضى .. ضوضاء.. والادهى من هذا عدم اكتراث البعض وكانوا وكأنهم في سفرة !، بعد قليل ارتفعت اصوات تطالب جاي جاي وباستهزاء .. غير وره هالاكل الدسم جايْ ... ، ابتسم احد المتعبين " الجماعة كاعدين بمضيف "ـ
آخرُ هزَّ رأسه باسى ، اغلب الموجودين كانوا صغار السن من الوية المهمات الخاصه دون سن الخدمه الالزاميه واكثرهم يعرف بعضهم الاخر او حتى تربطهم قربى. وكان يجلس جنبنا اخوين ..ـ
بعد الانتهاء من الطعام بدا نداء جاي جاي يتردد..ـ
دخل علينا وفد حكومي عسكر، عمائم ومدنيين ، الخاكي المرقط والزيتوني " مثل العدنه " بس درجة اللون تختلف، والمرقط غير الوان .. جوقه من عيون متطلعه وصوت من خلال المكبر بلهجه عراقيه " السلام عليكم "... وجاء الرد جماعيا وعليكم السلام مع هامسين : جاي ماكو؟ راح نروح لطهران؟ .. اشو هذا يحجي عراقي ، ششششش دسكتو خل نفتهم.. وتحذير ديرو بالكم ..ـ
فيتلفت كل من سمع التحذير، الكلمه كانت مختصره خاتمتها:ـ
" ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما و اسيرا "
فيفرح واحد من الاسرى ويقول: يعني ماكو اعدام فيرد اخر بسخط : ـ
هذا يعني أكلنه صدقة الحمدلله .. صرنه مكادي ! ـ
لم تجد كل الكلمات طريقها الى احساس و تفهم البعض فنهض جمع من الخلف وتعالت صرخات الحراس " بشن " مع شتائم غير مهمه لانها غير مفهومه؟ ، أراد الواقفون سؤال المتكلم حين قال : عدكم مطالب؟ .. لم ادرك غايته ولكنه اثار الحشد فاردف قائلا : مو هوسه واحد واحد .. ولكن الاصوات تعالت: صِليب* صِليب بكسر الصاد فاستغرب الرجل : منين تعرفون الصِليب ؟ ..ـ
بعدين هاي جبهة مايجون لهنا. وهنا تعالى مطلب " ودّونه لطهران " فردهم : هاي يم العسكروتعرفون هسه الاولويه للجيش، بعد؟ ... ـ
جاي جاي جاي
فالتفت مترجما لمن لم يفهم وابتسم قسم منهم وغادر الجميع..ـ
(* - الصليب الاحمر الدولي)
-
شكلهه راح نبات هنا عالكاع .. وتتوالى الردود ويتصدر السطور في راسي ما هو مضحك مبكي ...ـ
الذهاب الى المرافق الصحيه بمجاميع ... لم يكن مسموحا بالوقوف... ينادى على كل مجموعه ١٠ ياتي دورهم فيذهبون حتى وان لم تكن هناك حاجة .. ولذا يتم تبادل الادوار احيانا ، ـ
كنت الوحيد الذي يرتدي بدله زرقاء "بدلة ادامة" كما يسمونها في الجيش فوق البدله العسكريه فتسببت لي بالاسئله مع كل حرس، ميكانيكي؟
فاما ان أومئ بالموافقة او اجيب بلي تباخ؟ يعني طباخ فلا اتعب نفسي فاجيب بلي. ولكن سالني احدهم خلابان؟ فلم افهم وكان بقربه جندي سالني بالعربي يعني طيار؟ فرددت لا ميكانيكي لان وقعها عليهم كان مريحا بما يعني اني لم اكن احمل سلاحا "ضدهم" ، لم افهم نظرات الحرس العربستاني كانت بين العطف والكراهيه والاستفهام.. كلانا كان في حيرة. ـ
حلَّ الليلُ و نزل المطر من غير ان ندرك.. فنحن هنا منذ الصباح، وقد اخذ التعب منا مأخذهُ .. كانت عقولنا مشوشه بما يحيطنا من غموض وكآبه وضياع ... ادركنا أننا في بداية نفق مظلم رغم الانوار الكاشفة التي سلطت علينا بعد جمعنا في جانب واحد متراصين محاطين بحراس اسلحتهم موجهة نحونا ، ليست اول مرة للذين جاؤوا من الجبهات ان يناموا قلقين او بلا غطاء او بلا اسرة او اي من مقومات النوم الطبيعي، اما الاسلحة فقد تركتنا وتركناها، امامنا مشوار لاندري كيف سنتعامل معه بعد ما فقدنا كل السواتر عدا انفسنا... ، مع كل هذا نمنا. ـ
وسام الحكيم
-----------------------------------------------------------
2
اليوم التالي
صباح اليوم التالي تمنيته كابوسا ساصحى منه حين افتح عيني...ـ
اكثر من ثلاثين عاماً ومازالت تلك اللحظه تتكرر احيانا, صاحبي ايقظني ... ـ
" الكل حاسديك عندك مخده" يقصد بسطالي فالكثيرين تم تجريدهم من بساطيلهم عند تفتيشهم في الجبهة اضافة للمال والسيكائر ، والتفتيش بدرجات :ـ
فالبعض يبدو انهم كانو متهيئين فاخفو بعض النقود والسيكائر,اما انا فقد ترك لي الجندي درهمين ومقرضة اظافر وراح بالسكائر والقمصله الشتويه و"الباقي" من النقد وترك لي البسطال...ـ
حين صحوت وجدت الجمع ملئ بالنشاط عكس الحراس فقد بدا عليهم التعب , صاحبي طلب مني البسطال ليستعمله بالدخول الى المرافق وعندما عاد طلبه اخر واخر ولم يعد إليّ الى ان حان دوري ولاداعي للاسترسال هنا ,حين عدت وكنت من المتاخرين كانت صفوف الجالسين على الارض طويلة وقبل ان احس بالتوهان رايت جماعة كنت اجلس معهم يلوحون لي وقد استلموا حصتنا انا وصاحبي قاسم ...ـ
عم نوع من الهدوء اثناء الاكل حتى ان الحراس انشغلوا بالتحدث فيما بينهم ,وجدت صعوبه بتناول الطعام حتى التمر كان غريبا وكاني اراه لاول مره ، واتتني الكلمات من حولي :ـ
ـ "يللا معود اتحمل اكل تره الله يدري شوكت راح يجيبون اكل مرتلاخ".ـ
البارحه كان دخان السكائر يتصاعد في سماء المستودع حيث كان البعض يخرج مالديه واتضح انهم لم يكونوا قله وكانو يطلبون النار من الحرس لمرة ثم تنتقل الى الاخرين ولم تنطفئ الا وقت النوم الاجباري ، وكنت ارى بين الحين والاخر ان دائرتنا ينقصها واحد وياتي بعد قليل مع رائحة السكائر الرديئة فيساله صاحبه " وين جنت؟ "ـ
اكو واحد عنده جكاير نطاني نَفَسْ..اكو جندي ايراني يبيع.. ـ
تنطيه ربع, نص,خمس عشر دنانير ينطيك باكيت"
وين تشترون؟
" يم التواليتات,
دينارنا يساوي اكثر من عشر مرات عملتهم ...
اليوم اضافة للجاي بدا يتردد بعد الوجبة مطلب اخر
"جكاير"
ضحك صاحبي قاسم "هاي وين جانت لك اشكد جنت تكره اللجه على القصعه
والجكاير بالمعسكر والجبهة ,هسه راح تشبع من هاللغوه , ـ
وكانني ادركت للتو جدية المعاناة التي تنتظرنا فالتفت اليه فغرق بالضحك وقال
ـ "شوف وجهك ونظرتك ياويلي عليك " ، فرددت مؤيدا اني احس مشكلتنا راح تكون الاسرى موالايرانيين فمثل مانكول خرب من الضحك ... ولكنه ضحك مكتوم مما جعلني اضحك معه والسبب هو شر البليه... ـ
مرت فتره كان فيها نوع من الاستقرار فالجو اصبح دافئا بعد صعود الشمس
وتشكلت مجاميع باحاديث قضاء وقت. ـ
-
المسؤول عن المجمع عقيد مسن نظيف المظهرحليق اللحيه والشارب كان يتعكز على عصا ويعرج من اصابه في قدمه اليسرى كما يبدو,كان يجول بين المجاميع ومعه جندي يحمل كروص سكائر تعرفنا عليها اليوم اسمها اشنو ويزه ، الزاء عليها ثلاث نقط، من النوع الرخيص بلا فلتر ولكنها كافيه لان
تثير الارتياح بين الجالسين على الارض ,كان يرمي على كل مجموعه عدة سكائر و يشير بيديه طالبا الهدوء وحين وصوله الى مجموعتنا وكما فعل مع الاخرين رمى كم سيكارة تلاقفها المساكين و خصني بواحدة مع ابتسامة عطف و " ميكانيكي؟ ..." قرأت فيها: خطيه "
وترحمت للسياب :" الموت اهون من خطيه" ، فشكرته ممتنعا ولم يدعني صحبي الا ان اقبل الهديه وفعلت مع كلمة ممنون التي سمعتها كثيرا اليوم والبارحه
ـ "اذا ماتريدها اخذها وانطينا اياها " واني ويه نفسي : "هذوله شلون اتفاهم وياهم دخيلك ربي"...ـ
مشاعري لم تكن تقلق احد الا انا وصاحبي قاسم الذي كان يغلي , ويهون علي احيانا...ـ
الدخان رغم سعة المكان جعل الرؤيه محدودة ..انفاس المئات والدخان والهواء الرطب....ـ
اثناء ما نحن فيه سمعنا قهقهة عاليه وضحك ومزح ومرح وجماعة انقسماو مجموعتين للعب المحيبس
كان الباب الكبير يفتح لخروج ودخول الحراس ، فجأة دخلت عائله إمراتين بحجاب ورجل, احداهما حامل والاخرى شابه دون العشرين والرجل في اواخر الاربعين بشعر اشيب يرتدي بنطلونا اسود وقميص ابيض عليه جاكيت صوف مشجر بازرار بدأوا التجوال والنظر في الوجوه وكانهم يبحثون عن شخص ما ...ـ
ـ " شعدهم هنا ؟..ـ
يجوز يدورون على كرايبهم.... ـ
والله هاي البنيه شايله جمال...ــ
هالرجال مايخاف عالنسوان بنص هالهوسه .. ؟! " ـ
,كل الاعين كانت عليهم الا المجموعه التي يمرون قربها فيتظاهرون بانشغالهم بالحديث بينهم، وحين تقع عين الرجل بعين احدهم يبادر بالسلام واضعا يده اليمنى على صدره وفي اليد اليسرى سيكاره بفلتر..ـ
عجبا كم ابتعدنا عن الحياة بظرف يوم, ابسط الامور اصبحت صعبة المنال
بل مستحيله.....فلتر؟
رائحة المكان لم تمنع رائحة سيكارة الرجل من الانتشار وانهالت كلمات الاستحسان
ـ " الله يرحم ايام الروثمان" ..ـ
حين وصلو قربنا التفت الرجل الى جندي رافقهم مستفهما عن بدلتي المختلفة ..ـ
الجماعه حولي حزروا
ـ "هاي بدلتك دتجيبلك العين.. ذبهه معود
ليش يذبهه دتجيبله جكاير ... "ـ
استدار الجندي نحوي سائلا "انت مخابر؟ " .. فاجأني سؤاله ولكن جوابي كان حاضرا كالعادة : ميكانيكي .. ابتسم الرجل واخرج من جيبه علبة سكائر نفس الوان علبة بغداد ولكن الاسم كبير وواضح "ازادي" قدم لي واحدة .. رددت ممنون من غير ان امد يدي
فالتقطها احدهم بجانبي و سمعت الجماعه حولي "انت لا تدخنها انطينا اياها.."ـ
مع دردمه وكلمات كفر من اخرين فعاد وقدم لي اخرى يبدو انه احسَّ اني اثرت سخط المحلقين من حولي ولهجة الجندي الامره
"الرجال ماد ايده عيب..ـ "
لم استطع رده خائبا فاستلمتها مع الشكر وسط ارتياح وتشجيع "الجمهور
فقال "برادران" فترجم الجندي" يكلك اخوة " فعقبت شكرا آغا
هنا جاء العقيد متعكزا وباستعجال وعدم الرضا واضح عليه تحدث معهم مع اشارة بيديه يدعوهم للخروج فغادروا. كل الاعين عادت الى السيكارة ام الفلتر بيدي فتخلصت منها ولم تلبث ان حرقتها انفاسٌ محبوسة في صدور المحبوسين.. ، اخر واحد وصلت اليه تمتم وعينه مركزة عليها:ـ
" صايرة حارة كلش جمرتها جبيره ... الفلتر نار مالحكت تشتعل"
العبارة الاخيره لم افهمها يعني شنو مالحكت تشتعل؟
المهم انتهت برمي الفلتر بعد ان احترق تبغه.. ـ
رغم اني كنت ادخن فلم استطع تناول سيكارة فقد كان الجو مشبعا بكل شئ عدا الاوكسجين فقد اصبح اقل المكونات في هواء المستودع والتهبت عيني وصارت تدمع ... ، "بس هاي العايزه"ـ
بعد السيكارة دائما احس ان الجميع في مزاج افضل ... ، فجاة احسسنا بحركة الحراس وازدياد اعدادهم وبدأوا بازاحة القريبين عن الباب الكبير وتشكيل طوق من المسلحين على شكل قوس امام الباب يتصدرهم العقيد فاندفع الجميع ولاحاجه لتصور الحراس في محاولتهم السيطرة على الجمع المائج بالعصي والاحزمه ,انفتح الباب وشاهدنا الباصات تقف قريبه فتيقنا من المغادرة ولم يكن اختياريا ان نشارك الحشد فاشار الحراس للجميع بالتوجه نحو الباب وقال المترجم:ـ
محد يكوم بكيفه ,اللي يأشر عليه العقيد يكوم يطلع للباص, واللي يطلع بلا
"اشارة "ينعدم
واحد اراد تطمين الاخرين بمعلومه ينفرد هو بها "لاتخافون , بعد مايكدرون يعدمونه" ـ
ومن وسط الضجه وجد اخر الرغبه بتصحيح المعلومة ردا على الاخ :ـ
" ليش مايكدرون انته ليهسه مامستلمك الصليب"
لم يكن مهما عندي من اين يأتون باليقين او المعلومه او الطاقه للتصريح في الوقت الخطا,كنا نريد المغادرة فقط ..كان العقيد يشير على الجالسين بشكل عشوائي يمنة ويسرة من هنا وهناك ..ـ
بدات الباصات تمتلئ وعندما وصل دوري وقاسم هرولنا مغادرين الحشد التفت لالقاء نظرة على ماكنا فيه فرايت مايراه العقيد من لهفه في وجوه خائفه تنتظر اشارة منه لترك اول محطه لايعلمون كم من بعدها والى اين وكم ستطول وما سيؤول حالهم بعد نهاية رحلة التعب وانا منهم ,ـ
اثناء توجهنا الى الباص استوقفنا ثلاثه اثنين منهما بملابس سافاري مدنيه والاخر بلحيه كثه بملابس زيتوني عسكري وعلى جيب الصدر اشارة يد تحمل بندقيه وايه : واعتصموا بحبل الله جميعا ,فسالني احدهم بالانكليزي فاشرت له " سوري نو انكلش"ـ
ولكنه اصر "انت تفهمني" وتعجبت عدم تدخل الحراس واشار للعسكري ذو اللحيه "
هل تعتقد ان هذا الرجل مجرم"؟ فاجبت مستعجلا باني لا اعرفه واستمر بتمهل وقد
اخذ الحراس قاسم الى الباص وانا افكر "منين اجا هالبطران؟ " فاردف "هذا هرس توري"
قالها بعربيه مكسرة ثم بالانكليزي وبعدها بالفارسي "سباه باسداران" البائين تحتهما
ثلاث نقط واكمل "جريدة الثوره عندكم يقولون عنهم مجرمين..، قاسم من شباك الباص كان
يستعجلني - وصورة الجريدة تنعت هؤلاء بالمجرمين .. ، والضوضاء خلفي والاسرى يتخطونني
راكضين الى الباصات ترافقهم صيحات الحراس "بُدو" يعني استعجل وهؤلاء بيني وبين
الباص لاجلس اولا فاحس بشئ من انسانيه ولأغادر قبح المكان ووسخه... لاندري الى اين
ووسط حيرتي وتلفتي وعدم ردي مد العسكري يده لي فصافحته فسحبني اليه واحتضنني وقال
مبتسما "برادران" وفهمتها لتكرارها يعني اخوة و لو انهالا تعبر عما نحن فيه فاجبت ممنون..ـ
كان قاسم هو كل ماتبقى لي من العراق وانا كذلك بالنسبة اليه
فحين اصطحبني الحرس ذو الذقن الكثيف جدا الى باص اخر اشرت الى الباص الذي صعد فيه قاسم فلم يمانع رغم ان الباص قد امتلأ فطلب من الحراس اجلاسي في الباص وكانت لهجته معهم آمره وانصياعهم كان جليا ولم يناقشوه بل اشاروا على الجالس جنب صاحبي بالذهاب الى باص اخر فنهض احد الاسرى "آني آني اريد اروح ويه جماعتي" فلم يمانع الحرس .. واخيرا جلست فسالني قاسم وكان كل وجهه اسئله "وسام, هذوله منو,منين.. تعرفهم؟ " فاجبته بجزع "اشمدريني" فضحك مرتاحا " انت الله يجيبلك سوالف هههه وشلون وكت" .... تحركت الباصات واخيرا, غادرنا
الى محطة القطار كما سَرَتِ الاشاعه...ـ
------------------
وسام
-----------------------------------------
لأرسال التعقيبات والملاحظات أو لقراءتها ، يرجى زيارة صفحة تعقيبات الزوار
To Add a comment, visit our Contact Page for more options
------------------------------------------
نشرت في 28-4-2013
عودة الى صفحة حديث الاسرى
الذي قضى اكثر من ثمان سنوات أسير حرب في ايران
1
سنين في سطور ...ـ
لااعتقد ان هناك اسير لايتذكر بوضوح يومي الاسر والعودة ، النزول الى الهاويه والرجوع من الموت وكيف تم تحولنا من حرب الى اخرى لم تدر في بالنا ويستحيل تصورها، اعتقدناها محطة انتظار لاول وهله..ـ
كنا بالمئات على مااعتقد في مستودع خال لمعمل السكر في الشوش صباح يوم من اواخر اذار٨٢ الارض في هذا المكان بارده رطبه دبقة من بقايا السكر المخزون، ورغم جدية الموقف وكآبته الا اننا كنا نسمع بعض التعليقات المضحكه غير المنطقية ..لعدم انسجامها مع الواقع المرير المحيط بنا آنذاك.. ، فمثلا اثناء انشغال الحراس بعملية اجلاسنا بخطوط متوازيه ولم تكن سهلة .. ، فقد اطمأن جماعتنا انهم بمأمن من الاعدام الذي واجهناه قبل قليل في الجبهات.. فصاروا يتحدثون كمن لايسمع او يفقه ماحوله . فيسال احدهم وين راح ننام ؟ ، والاخر ليش احنه اكلنه ليهسه حتى ننام ؟ وتساءل اخر ابعد من هذين شوكت يودونا للخلفيات ، قابل نبات هنا ؟ هذا للاطمئنان ان نبعد عن مدى الصواريخ التي اشيع وبدون مصدر للاخبار ان المدينه ستتعرض لها انتقاما لنا اومنا كما اختار البعض .ـ
فوضى واصوات عاليه تخترقها صرخات الحراس الآمره " بشن" يعني اجلس فكان قسم من الجالسين يقول" اكعدو اخوان رحمة لوالديكم لاتجيبولنه الاهانه " .. احد الواقفين يرد باستنكار " قابل آني واكف هيجي اني دا ادور على صاحبي ابو حالوب .. قابل احنه بالعراق , شنو هاللواكه ", تاتيه ضربة حزام مع " بشن" يجلس ويدردم ..اكيد يسب الحرس ومن حوله من المتشفين .ـ
جاء الأكل .. قطعة خبز وتمر وقطعة جبن ابيض .. لم استطع تناول شئ لان المشهد والاحداث وكل ما يصعب وصفه او استيعابه قذارة .. اهانه .. فوضى .. ضوضاء.. والادهى من هذا عدم اكتراث البعض وكانوا وكأنهم في سفرة !، بعد قليل ارتفعت اصوات تطالب جاي جاي وباستهزاء .. غير وره هالاكل الدسم جايْ ... ، ابتسم احد المتعبين " الجماعة كاعدين بمضيف "ـ
آخرُ هزَّ رأسه باسى ، اغلب الموجودين كانوا صغار السن من الوية المهمات الخاصه دون سن الخدمه الالزاميه واكثرهم يعرف بعضهم الاخر او حتى تربطهم قربى. وكان يجلس جنبنا اخوين ..ـ
بعد الانتهاء من الطعام بدا نداء جاي جاي يتردد..ـ
دخل علينا وفد حكومي عسكر، عمائم ومدنيين ، الخاكي المرقط والزيتوني " مثل العدنه " بس درجة اللون تختلف، والمرقط غير الوان .. جوقه من عيون متطلعه وصوت من خلال المكبر بلهجه عراقيه " السلام عليكم "... وجاء الرد جماعيا وعليكم السلام مع هامسين : جاي ماكو؟ راح نروح لطهران؟ .. اشو هذا يحجي عراقي ، ششششش دسكتو خل نفتهم.. وتحذير ديرو بالكم ..ـ
فيتلفت كل من سمع التحذير، الكلمه كانت مختصره خاتمتها:ـ
" ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما و اسيرا "
فيفرح واحد من الاسرى ويقول: يعني ماكو اعدام فيرد اخر بسخط : ـ
هذا يعني أكلنه صدقة الحمدلله .. صرنه مكادي ! ـ
لم تجد كل الكلمات طريقها الى احساس و تفهم البعض فنهض جمع من الخلف وتعالت صرخات الحراس " بشن " مع شتائم غير مهمه لانها غير مفهومه؟ ، أراد الواقفون سؤال المتكلم حين قال : عدكم مطالب؟ .. لم ادرك غايته ولكنه اثار الحشد فاردف قائلا : مو هوسه واحد واحد .. ولكن الاصوات تعالت: صِليب* صِليب بكسر الصاد فاستغرب الرجل : منين تعرفون الصِليب ؟ ..ـ
بعدين هاي جبهة مايجون لهنا. وهنا تعالى مطلب " ودّونه لطهران " فردهم : هاي يم العسكروتعرفون هسه الاولويه للجيش، بعد؟ ... ـ
جاي جاي جاي
فالتفت مترجما لمن لم يفهم وابتسم قسم منهم وغادر الجميع..ـ
(* - الصليب الاحمر الدولي)
-
شكلهه راح نبات هنا عالكاع .. وتتوالى الردود ويتصدر السطور في راسي ما هو مضحك مبكي ...ـ
الذهاب الى المرافق الصحيه بمجاميع ... لم يكن مسموحا بالوقوف... ينادى على كل مجموعه ١٠ ياتي دورهم فيذهبون حتى وان لم تكن هناك حاجة .. ولذا يتم تبادل الادوار احيانا ، ـ
كنت الوحيد الذي يرتدي بدله زرقاء "بدلة ادامة" كما يسمونها في الجيش فوق البدله العسكريه فتسببت لي بالاسئله مع كل حرس، ميكانيكي؟
فاما ان أومئ بالموافقة او اجيب بلي تباخ؟ يعني طباخ فلا اتعب نفسي فاجيب بلي. ولكن سالني احدهم خلابان؟ فلم افهم وكان بقربه جندي سالني بالعربي يعني طيار؟ فرددت لا ميكانيكي لان وقعها عليهم كان مريحا بما يعني اني لم اكن احمل سلاحا "ضدهم" ، لم افهم نظرات الحرس العربستاني كانت بين العطف والكراهيه والاستفهام.. كلانا كان في حيرة. ـ
حلَّ الليلُ و نزل المطر من غير ان ندرك.. فنحن هنا منذ الصباح، وقد اخذ التعب منا مأخذهُ .. كانت عقولنا مشوشه بما يحيطنا من غموض وكآبه وضياع ... ادركنا أننا في بداية نفق مظلم رغم الانوار الكاشفة التي سلطت علينا بعد جمعنا في جانب واحد متراصين محاطين بحراس اسلحتهم موجهة نحونا ، ليست اول مرة للذين جاؤوا من الجبهات ان يناموا قلقين او بلا غطاء او بلا اسرة او اي من مقومات النوم الطبيعي، اما الاسلحة فقد تركتنا وتركناها، امامنا مشوار لاندري كيف سنتعامل معه بعد ما فقدنا كل السواتر عدا انفسنا... ، مع كل هذا نمنا. ـ
وسام الحكيم
-----------------------------------------------------------
2
اليوم التالي
صباح اليوم التالي تمنيته كابوسا ساصحى منه حين افتح عيني...ـ
اكثر من ثلاثين عاماً ومازالت تلك اللحظه تتكرر احيانا, صاحبي ايقظني ... ـ
" الكل حاسديك عندك مخده" يقصد بسطالي فالكثيرين تم تجريدهم من بساطيلهم عند تفتيشهم في الجبهة اضافة للمال والسيكائر ، والتفتيش بدرجات :ـ
فالبعض يبدو انهم كانو متهيئين فاخفو بعض النقود والسيكائر,اما انا فقد ترك لي الجندي درهمين ومقرضة اظافر وراح بالسكائر والقمصله الشتويه و"الباقي" من النقد وترك لي البسطال...ـ
حين صحوت وجدت الجمع ملئ بالنشاط عكس الحراس فقد بدا عليهم التعب , صاحبي طلب مني البسطال ليستعمله بالدخول الى المرافق وعندما عاد طلبه اخر واخر ولم يعد إليّ الى ان حان دوري ولاداعي للاسترسال هنا ,حين عدت وكنت من المتاخرين كانت صفوف الجالسين على الارض طويلة وقبل ان احس بالتوهان رايت جماعة كنت اجلس معهم يلوحون لي وقد استلموا حصتنا انا وصاحبي قاسم ...ـ
عم نوع من الهدوء اثناء الاكل حتى ان الحراس انشغلوا بالتحدث فيما بينهم ,وجدت صعوبه بتناول الطعام حتى التمر كان غريبا وكاني اراه لاول مره ، واتتني الكلمات من حولي :ـ
ـ "يللا معود اتحمل اكل تره الله يدري شوكت راح يجيبون اكل مرتلاخ".ـ
البارحه كان دخان السكائر يتصاعد في سماء المستودع حيث كان البعض يخرج مالديه واتضح انهم لم يكونوا قله وكانو يطلبون النار من الحرس لمرة ثم تنتقل الى الاخرين ولم تنطفئ الا وقت النوم الاجباري ، وكنت ارى بين الحين والاخر ان دائرتنا ينقصها واحد وياتي بعد قليل مع رائحة السكائر الرديئة فيساله صاحبه " وين جنت؟ "ـ
اكو واحد عنده جكاير نطاني نَفَسْ..اكو جندي ايراني يبيع.. ـ
تنطيه ربع, نص,خمس عشر دنانير ينطيك باكيت"
وين تشترون؟
" يم التواليتات,
دينارنا يساوي اكثر من عشر مرات عملتهم ...
اليوم اضافة للجاي بدا يتردد بعد الوجبة مطلب اخر
"جكاير"
ضحك صاحبي قاسم "هاي وين جانت لك اشكد جنت تكره اللجه على القصعه
والجكاير بالمعسكر والجبهة ,هسه راح تشبع من هاللغوه , ـ
وكانني ادركت للتو جدية المعاناة التي تنتظرنا فالتفت اليه فغرق بالضحك وقال
ـ "شوف وجهك ونظرتك ياويلي عليك " ، فرددت مؤيدا اني احس مشكلتنا راح تكون الاسرى موالايرانيين فمثل مانكول خرب من الضحك ... ولكنه ضحك مكتوم مما جعلني اضحك معه والسبب هو شر البليه... ـ
مرت فتره كان فيها نوع من الاستقرار فالجو اصبح دافئا بعد صعود الشمس
وتشكلت مجاميع باحاديث قضاء وقت. ـ
-
المسؤول عن المجمع عقيد مسن نظيف المظهرحليق اللحيه والشارب كان يتعكز على عصا ويعرج من اصابه في قدمه اليسرى كما يبدو,كان يجول بين المجاميع ومعه جندي يحمل كروص سكائر تعرفنا عليها اليوم اسمها اشنو ويزه ، الزاء عليها ثلاث نقط، من النوع الرخيص بلا فلتر ولكنها كافيه لان
تثير الارتياح بين الجالسين على الارض ,كان يرمي على كل مجموعه عدة سكائر و يشير بيديه طالبا الهدوء وحين وصوله الى مجموعتنا وكما فعل مع الاخرين رمى كم سيكارة تلاقفها المساكين و خصني بواحدة مع ابتسامة عطف و " ميكانيكي؟ ..." قرأت فيها: خطيه "
وترحمت للسياب :" الموت اهون من خطيه" ، فشكرته ممتنعا ولم يدعني صحبي الا ان اقبل الهديه وفعلت مع كلمة ممنون التي سمعتها كثيرا اليوم والبارحه
ـ "اذا ماتريدها اخذها وانطينا اياها " واني ويه نفسي : "هذوله شلون اتفاهم وياهم دخيلك ربي"...ـ
مشاعري لم تكن تقلق احد الا انا وصاحبي قاسم الذي كان يغلي , ويهون علي احيانا...ـ
الدخان رغم سعة المكان جعل الرؤيه محدودة ..انفاس المئات والدخان والهواء الرطب....ـ
اثناء ما نحن فيه سمعنا قهقهة عاليه وضحك ومزح ومرح وجماعة انقسماو مجموعتين للعب المحيبس
كان الباب الكبير يفتح لخروج ودخول الحراس ، فجأة دخلت عائله إمراتين بحجاب ورجل, احداهما حامل والاخرى شابه دون العشرين والرجل في اواخر الاربعين بشعر اشيب يرتدي بنطلونا اسود وقميص ابيض عليه جاكيت صوف مشجر بازرار بدأوا التجوال والنظر في الوجوه وكانهم يبحثون عن شخص ما ...ـ
ـ " شعدهم هنا ؟..ـ
يجوز يدورون على كرايبهم.... ـ
والله هاي البنيه شايله جمال...ــ
هالرجال مايخاف عالنسوان بنص هالهوسه .. ؟! " ـ
,كل الاعين كانت عليهم الا المجموعه التي يمرون قربها فيتظاهرون بانشغالهم بالحديث بينهم، وحين تقع عين الرجل بعين احدهم يبادر بالسلام واضعا يده اليمنى على صدره وفي اليد اليسرى سيكاره بفلتر..ـ
عجبا كم ابتعدنا عن الحياة بظرف يوم, ابسط الامور اصبحت صعبة المنال
بل مستحيله.....فلتر؟
رائحة المكان لم تمنع رائحة سيكارة الرجل من الانتشار وانهالت كلمات الاستحسان
ـ " الله يرحم ايام الروثمان" ..ـ
حين وصلو قربنا التفت الرجل الى جندي رافقهم مستفهما عن بدلتي المختلفة ..ـ
الجماعه حولي حزروا
ـ "هاي بدلتك دتجيبلك العين.. ذبهه معود
ليش يذبهه دتجيبله جكاير ... "ـ
استدار الجندي نحوي سائلا "انت مخابر؟ " .. فاجأني سؤاله ولكن جوابي كان حاضرا كالعادة : ميكانيكي .. ابتسم الرجل واخرج من جيبه علبة سكائر نفس الوان علبة بغداد ولكن الاسم كبير وواضح "ازادي" قدم لي واحدة .. رددت ممنون من غير ان امد يدي
فالتقطها احدهم بجانبي و سمعت الجماعه حولي "انت لا تدخنها انطينا اياها.."ـ
مع دردمه وكلمات كفر من اخرين فعاد وقدم لي اخرى يبدو انه احسَّ اني اثرت سخط المحلقين من حولي ولهجة الجندي الامره
"الرجال ماد ايده عيب..ـ "
لم استطع رده خائبا فاستلمتها مع الشكر وسط ارتياح وتشجيع "الجمهور
فقال "برادران" فترجم الجندي" يكلك اخوة " فعقبت شكرا آغا
هنا جاء العقيد متعكزا وباستعجال وعدم الرضا واضح عليه تحدث معهم مع اشارة بيديه يدعوهم للخروج فغادروا. كل الاعين عادت الى السيكارة ام الفلتر بيدي فتخلصت منها ولم تلبث ان حرقتها انفاسٌ محبوسة في صدور المحبوسين.. ، اخر واحد وصلت اليه تمتم وعينه مركزة عليها:ـ
" صايرة حارة كلش جمرتها جبيره ... الفلتر نار مالحكت تشتعل"
العبارة الاخيره لم افهمها يعني شنو مالحكت تشتعل؟
المهم انتهت برمي الفلتر بعد ان احترق تبغه.. ـ
رغم اني كنت ادخن فلم استطع تناول سيكارة فقد كان الجو مشبعا بكل شئ عدا الاوكسجين فقد اصبح اقل المكونات في هواء المستودع والتهبت عيني وصارت تدمع ... ، "بس هاي العايزه"ـ
بعد السيكارة دائما احس ان الجميع في مزاج افضل ... ، فجاة احسسنا بحركة الحراس وازدياد اعدادهم وبدأوا بازاحة القريبين عن الباب الكبير وتشكيل طوق من المسلحين على شكل قوس امام الباب يتصدرهم العقيد فاندفع الجميع ولاحاجه لتصور الحراس في محاولتهم السيطرة على الجمع المائج بالعصي والاحزمه ,انفتح الباب وشاهدنا الباصات تقف قريبه فتيقنا من المغادرة ولم يكن اختياريا ان نشارك الحشد فاشار الحراس للجميع بالتوجه نحو الباب وقال المترجم:ـ
محد يكوم بكيفه ,اللي يأشر عليه العقيد يكوم يطلع للباص, واللي يطلع بلا
"اشارة "ينعدم
واحد اراد تطمين الاخرين بمعلومه ينفرد هو بها "لاتخافون , بعد مايكدرون يعدمونه" ـ
ومن وسط الضجه وجد اخر الرغبه بتصحيح المعلومة ردا على الاخ :ـ
" ليش مايكدرون انته ليهسه مامستلمك الصليب"
لم يكن مهما عندي من اين يأتون باليقين او المعلومه او الطاقه للتصريح في الوقت الخطا,كنا نريد المغادرة فقط ..كان العقيد يشير على الجالسين بشكل عشوائي يمنة ويسرة من هنا وهناك ..ـ
بدات الباصات تمتلئ وعندما وصل دوري وقاسم هرولنا مغادرين الحشد التفت لالقاء نظرة على ماكنا فيه فرايت مايراه العقيد من لهفه في وجوه خائفه تنتظر اشارة منه لترك اول محطه لايعلمون كم من بعدها والى اين وكم ستطول وما سيؤول حالهم بعد نهاية رحلة التعب وانا منهم ,ـ
اثناء توجهنا الى الباص استوقفنا ثلاثه اثنين منهما بملابس سافاري مدنيه والاخر بلحيه كثه بملابس زيتوني عسكري وعلى جيب الصدر اشارة يد تحمل بندقيه وايه : واعتصموا بحبل الله جميعا ,فسالني احدهم بالانكليزي فاشرت له " سوري نو انكلش"ـ
ولكنه اصر "انت تفهمني" وتعجبت عدم تدخل الحراس واشار للعسكري ذو اللحيه "
هل تعتقد ان هذا الرجل مجرم"؟ فاجبت مستعجلا باني لا اعرفه واستمر بتمهل وقد
اخذ الحراس قاسم الى الباص وانا افكر "منين اجا هالبطران؟ " فاردف "هذا هرس توري"
قالها بعربيه مكسرة ثم بالانكليزي وبعدها بالفارسي "سباه باسداران" البائين تحتهما
ثلاث نقط واكمل "جريدة الثوره عندكم يقولون عنهم مجرمين..، قاسم من شباك الباص كان
يستعجلني - وصورة الجريدة تنعت هؤلاء بالمجرمين .. ، والضوضاء خلفي والاسرى يتخطونني
راكضين الى الباصات ترافقهم صيحات الحراس "بُدو" يعني استعجل وهؤلاء بيني وبين
الباص لاجلس اولا فاحس بشئ من انسانيه ولأغادر قبح المكان ووسخه... لاندري الى اين
ووسط حيرتي وتلفتي وعدم ردي مد العسكري يده لي فصافحته فسحبني اليه واحتضنني وقال
مبتسما "برادران" وفهمتها لتكرارها يعني اخوة و لو انهالا تعبر عما نحن فيه فاجبت ممنون..ـ
كان قاسم هو كل ماتبقى لي من العراق وانا كذلك بالنسبة اليه
فحين اصطحبني الحرس ذو الذقن الكثيف جدا الى باص اخر اشرت الى الباص الذي صعد فيه قاسم فلم يمانع رغم ان الباص قد امتلأ فطلب من الحراس اجلاسي في الباص وكانت لهجته معهم آمره وانصياعهم كان جليا ولم يناقشوه بل اشاروا على الجالس جنب صاحبي بالذهاب الى باص اخر فنهض احد الاسرى "آني آني اريد اروح ويه جماعتي" فلم يمانع الحرس .. واخيرا جلست فسالني قاسم وكان كل وجهه اسئله "وسام, هذوله منو,منين.. تعرفهم؟ " فاجبته بجزع "اشمدريني" فضحك مرتاحا " انت الله يجيبلك سوالف هههه وشلون وكت" .... تحركت الباصات واخيرا, غادرنا
الى محطة القطار كما سَرَتِ الاشاعه...ـ
------------------
وسام
-----------------------------------------
لأرسال التعقيبات والملاحظات أو لقراءتها ، يرجى زيارة صفحة تعقيبات الزوار
To Add a comment, visit our Contact Page for more options
------------------------------------------
نشرت في 28-4-2013
عودة الى صفحة حديث الاسرى